بلا حساب ولا عذاب، وقد وقع ما أخبر به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه قُتل شهيداً في سبيل الله عزّ وجلّ وفي هذا دليل من أدلة النبوّة، حيث أخبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن عُكّاشة من السبعين الألف، وقتل شهيداً في سبيل الله عزّ وجلّ، فصار في زُمْرة الشهداء في سبيل الله، مع سَبْقه إلى الإسلام، وشهوده بدراً وغيرها مع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
" ثم قام رجل آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: "سبقك بها عُكّاشة"، كأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم أن هذا الرجل لا يصل إلى هذه المرتبة، ولكن ما جابهه بكلام يكرهه، ولم يقل له: أنت لا تستحق، أو أنت لست من أهل هذه المنزلة، وهذا من حُسن أدب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل جاء بكلمة لم تؤثر على الرجل، وهي وافية بالمقصود، فقال: "سبقك بها عُكّاشة".
قال الشيخ رحمه الله في مسائله: "هذا فيه استعمال المعاريض" يعني: الكلمات التي تُستعمل بدل الكلمات المكروهة، لأنه لو قال لا تستحق هذا، أو أنت لا تصل إلى هذه المرتبة، لحصل عند الرجل انكسار نفس وخجل، فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان كما قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) } ، وقال تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} ، فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم أن هذا الرجل - بما علّمه الله سبحانه وتعالى- لا يصل إلى هذه المرتبة، ولكنه جاء بكلمة ليّنة لطيفة ليس فيها تجريح، فهذا فيه حُسن الأدب مع المسلمين، وعدم مواجهتهم بما يكرهون من الكلمات النابية، حتى ولو كانوا على خطأ، فهم يواجهون بكلمات فيها تطييب لخواطرهم، وعدم تجريح لنفوسهم.
فهذا حديث عظيم دلَّ على مسائل:
أولاً: دلَّ على جواز الرُّقية من العين ومن الحُمة وغيرهما، لأنه فعله حُصين بن عبد الرحمن، واستدل بحديث الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثانياً: في الحديث دليل على فضل موسى عليه السلام وأمته الذين آمنوا به.
ثالثاً: فيه دليل على عدم الاحتجاج بالكثرة، وهذه مسألة مهمة.
ورابعاً: فيه حرص الصحابة على مسائل العلم ومعرفتها، حيث خاضوا في طلب معنى هذا الحديث الذي ألقاه عليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبحثوا فيه، قال الشيخ: فيه المناظرة في العلم.