فلو دعا إلى الكفر لانتقض عهده، فهو مستسلم تحت حكم الإسلام ويدفع الجزية التي فيها الذلة والصغار، فهذا يترك، والشيخ الكبير، والصبي، والنساء، الذين لا يتعدى كفرهم إلى غيرهم، والرهبان الذين تركوا الناس وانعزلوا في صوامعهم للعبادة، هؤلاء لا يقتلون أيضا.
دل هذا على أن دين الإسلام ليس دين قتل وسفك دماء، وإنما هو دين رحمة وعدل، يريد أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور لصالحهم هم، وكم حصل في الجهاد من منافع للناس، فالذين أسلموا من الكفار من الأعاجم أنقذهم الله من النار، لو تركوا لصاروا من أهل النار، فأسلموا وحسن إسلامهم وخرج منهم العلماء الأفذاذ، فهذه ثمرات الجهاد في سبيل الله عز وجل، فالجهاد هو ذروة سنام الإسلام، ولكن الجهاد له شروط:
الشرط الأول: أن يكون بالمسلمين قوة يقوون بها على جهاد الكفار، أي: عندهم عدة واستعداد لجهاد الكفار، فإذا لم يكونوا على استعداد؛ كأن يكون فيهم ضعف والكفار أقوى منهم، فلو قاتل المسلمون الكفار لأبيدت خضراء المسلمين، فلا يجوز القتال في هذه الحالة؛ لأن هذا يلزم عليه مفسدة أكبر من المصلحة، وهي تسلط الكفار على المسلمين؛ ولهذا فالنبي صلى الله عليه وسلم بقي في مكة ثلاثة عشر عاما مقتصرا على الدعوة إلى الله، والمسلمون يؤذون ويضايقون ولم يؤمر بالجهاد، بل الله أمرهم بالصبر وكف الأيدي حتى يأذن الله - جل وعلا – لهم بالجهاد:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[النساء: ٧٧] ، هذا في مكة، أمروا بكف أيديهم، ولكن مع هذا يقومون بالدعوة إلى الله عز وجل، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة،