للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: ٥ – ١٠] ، فلا يجوز للعبد أن يتوقف ويقول: إن كان قدر لي أن أصير في الجنة فأنا في الجنة، وإن كان مقدرا إنه في النار يصير في النار. هذا لا يجوز، والعبد لا يطرد هذا في أفعاله، هل يجلس الإنسان ويترك طلب الطعام والشراب، ويقول: إن كان الله مقدرا لي الطعام فسيأتيني وأنا جالس، وسيأتيني الشراب وأنا جالس؟ لا يقول هذا، بل يقوم ويبحث، إذا جاع يقوم ويبحث عن الطعام، وإذا عطش يقوم ويبحث عن الماء، ولا يقول: إذا كان الله مقدرا لي الطعام والشراب سيأتيني؛ لأن فطرته تقتضي أن يتحرك ويبحث.

لو أن إنسانا جاء وضربه أو قتل ابنه هل يسكت ويقول: هذا قضاء وقدر، أو يطلب الانتقام؟ الجواب: يطلب الانتقام، ولم لا يقول: هذا قضاء وقدر، ولا يؤاخذ القاتل أو الضارب، ولا يطالب بالانتقام؟ هذا دليل على أن الأشياء لها أسباب، وأن العبد مطلوب منه فعل الأسباب، ولا يبقى بدون فعل الأسباب، الله ربط المسببات بالأسباب، حتى الطيور والحيوانات لا ترى هذا الرأي، لا تقعد في أوكارها وتقول: سيأتيني الرزق وأنا في وكري. وهذه طيور وحيوانات، بل تروح وتبحث عن الرزق؛ لأن الله فطرها على هذا، أنه لا يحصل لها شيء إلا بعمل وحركة وبحث، {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: ٣٠] ، {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: ٥٠] .

فهذه المقولة خاسرة وكاذبة – وهي الاحتجاج بالقدر على ترك العمل – والمسلم مطلوب منه أن يعمل العمل الصالح، وإذا أذنب مطلوب منه التوبة، وعنده القدرة على هذا، فهو يقدر أن يفعل، ويقدر أن يترك، فلو ترك العمل عجزا لم يؤاخذه الله، ولكن إن تركه كسلا

<<  <   >  >>