ووقعت عليهم الفتنة، وابتلوا بها، فهذا حصل من غير اختيارهم رضي الله عنهم، وهم يريدون الخير، يريدون نصرة الدين ويجتهدون في هذا، فنحن لا ندخل في هذا أبدا، وإن دخلنا فنعتذر عنهم.
قوله:«وأستغفر لهم» عملا بالقرآن، قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا}[الحشر: ١٠] ، لما ذكر المهاجرين والأنصار قال:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} ، هذا موقف المسلم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله:«وأكف عن مساويهم» ، فلا أبحث عن مساويهم وأنبش عن الأشياء التي قيلت، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «الواسطية» : «الآثار المروية في مساوئهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون؛ إما مجتهدون مصيبون فلهم أجران، وإما مجتهدون مخطؤون فلهم أجر» ، وهم على كل حال مأجورون، ثم لهم من الفضائل ما يغطي ما يحصل من الخطأ الذي قد يحصل من أفرادهم، فالصحبة تغطي كل هذا.
وأما ما شجر بينهم وقت الفتنة، فهذا ليس باختيارهم ابتلوا به بسبب دعاة الضلال الذين اندسوا بينهم؛ كعبد الله بن سبأ والذين اتبعوه، فصاروا ينشرون الفتنة حتى صارت الحرب، أول الفتنة: تنقص ولي الأمر، حيث تنقصوا عثمان وطعنوا فيه، ثم آل الأمر إلى أن قتلوا عثمان رضي الله عنه، فلما قتلوه انفتح باب القتل والفتنة، فهذا أمر جرى