للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مشروعة مع الوصول إلى القبر بمشاهدته، وهذه الزيارة مشروعة في حقه بالنص والإجماع، ولا هي أيضاً ممكنة.

فتبين غلط هؤلاء الذين قاسوه على عموم المؤمنين، وهذا من باب القياس الفاسد ومن قاس قياس الأولى ولم يعلم ما اختص به كل واحد من المقيس والمقيس به كان قياسه من جنس قياس المشركين الذين كانوا يقيسون الميته على المذكي، ويقولون للمسلمين: أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله؟ فأنزل الله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (١) (الأنعام ١٢١)

وكذلك لما أخبر الله أن الأصنام التي تعبد هي وعابدوها حصب جهنم قاس ابن الزيعري، قبل أن يسلم هو وغيره من المشركين عيسى بها (٢) ، وقالوا: يجب أن يعذب عيسى قال تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (الزخرف ٠٥٧-٠٥٨) ثم قال: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} (الزخرف ٠٥٩) وبين تعالى الفرق بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (الأنبياء ١٠١) بين أن من كان صالحاً نبياً أو غير نبي لم يعذب لأجل من أشرك به وعبده وهو بريء من إشراكهم به.

وأما الأصنام فهي حجارة تجعل حصباً للنار، وقد قيل: إنها من الحجارة التي قال تعالى فيها: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (البقرة ٠٢٤) وقال تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} (الجن ٠١٥) وبسط هذا له موضع آخر.


(١) أخرج الإمام أبو داود ٣/٢٤٥ بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ((وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) يقولون ما ذبح لله فلا تأكلوه فأنزل الله: ((ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله= =عليه)) قال ابن كثير في تفسيره ٢/١٧١ وهذا إسناده صحيح وأخرجه ابن ماجه ٢/١٠٥٩ رقم ٣١٧٣ والحاكم ٤/١١٣-٢٣١ وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، ورواه ابن جرير ٨/١٢٦.
(٢) ذكر الخطيب في الفقه والمتفقه ص٧٠ عن شيخه أبي سعيد محمد بن موسى الصيرفي حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثنا أبو أمية الطرطوسي حدثنا محمد بن الصلت، حدثنا أبو كدينة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية ((أنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم)) الآية قال المشركون: فإن عيسى يعبد وعزير والشمس والقمر فأنزل الله سبحانه وتعالى: ((إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون)) أهـ، نقلاً من الصحيح المسند لشيخنا مقبل حفظه الله تعالى.

<<  <   >  >>