لئلا يتمكن أحد من ذلك، وكانت عائشة ساكنة فيها، فلم يكن في حياتها يدخل أحد لذلك، إنما يدخلون إليها هي، ولما توفيت لم يبق بها أحد، ثم لم أدخلت في المسجد سدت وبنى الجدار البراني عليها، فما بقي أحد يتمكن من زيارة قبره، كالزيارة المعروفة عند قبر غيره، سواء كان سنية أو بدعية، بل إنما يصل الناس إلى مسجده.
ولم يكن السلف يطلقون على هذا زيارة لقبره، ولا يعرف عن أحد من الصحابة لفظ زيارة قبر البتة ولم يتكلموا بذلك، وكذلك عامة التابعين لا يعرف هذا في كلامهم فإن هذا المعنى ممتنع عندهم فلا يعبر عن وجوده، وهو قد نهى عن اتخاذ بيته وقبره عيداً، وسأل الله أن لا يجعله وثناً، ونهى عن اتخاذ القبور مساجد بيته وقبره عيداً، وسأل الله أن لا يجعله وثناً، ونهى عن اتخاذ القبور مساجد، فقال:((اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) (١) ، ولهذا كره مالك وغيره أن يقال: زرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان السلف ينطقون بهذا لم يكرهه مالك، وقد باشر التابعين بالمدينة،وهم أعلم الناس بمثل ذلك.
ولو كان في هذا حديث معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم لعرفه هؤلاء، ولم يكره مالك وأمثاله من علماء المدينة الأخبار بلفظ تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان رضي الله عنه يتحرى ألفاظ الرسول في الحديث فيكف يكره النطق بلفظه؟ ولكن طائفة من العلماء سموا هذا زيارة لقبره، وهم لا يخالفون مالكاً ومن معه في المعنى، بل الذي يستحبه أولئك من الصلاة والسلام وطلب الوسيلة ونحو ذلك في مسجده يستحبه هؤلاء، لكن هؤلاء سموا هذه زيارة لقبره وأولئك كرهوا أن يسموا هذه زيارة، وقد ذكرنا كلام الشيخ هذا وأمثاله في هذا المعنى فيما تقدم، والله أعلم.
[قال المعترض]
وقد قال أبو الوليد محمد بن رشد في البيان والتحصيل قال مالك: أكره أن يقال الزيارة لزيارة البيت الحرام، وأكره ما يقول الناس: زرت التي وأعظم ذلك أن يكون صلى الله عليه وسلم يزار، قال محمد بن رشد، ما كره مالك هذا والله أعلم إلا من جهة أن كلمة أعلى من كلمة، فلما كانت الزيارة تستعمل في الموتى، وقد وقع فيها من الكراهة ما وقع كره أن يذكر مثل هذه العبارة في النبي صلى الله عليه وسلم كما كره أن يقال أيام التشريق، واستحب أن يقال