للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المكاره إلا الله قال تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ () أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} (الملك ٠٢٠-٠٢١) ومن ظن أرضاً معينة تدفع عن أهلها البلاء مطلقاً بخصوصها، أو لكونها فيها قبور الأبياء والصالحين فهو غالك، فأفضل البقاع مكة،وقد عذب الله أهلها عذاباً شديداً عظيماً فقال: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ () وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} (النحل ١١٢-١١٣)

[قال المعترض]

فإن قلت: فقد روى عبد الرزاق في مصنفه بسنده إلى الحسن بن الحسن بن علي أنه رأى قوماً عند القبر، فنهاهم، وقال:إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تتخذوا قبري عيداً ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني)) .

قلت: قد روى القاضي إسماعيل في كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (١) ، بسنده إلى علي بن الحسين بن علي، وهو زين العابدين أن رجلاً كان يأتي كل غداة فيزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه، ويضع من ذلك ما انتهره عليه علي بن الحسين، فقال له علي بن الحسين: ما يحملك على هذا قال: أحب التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له علي بن الحسين: هل لك أن أحدثك حديثاً عن أبي؟ قال: نعم. فقال له علي بن الحسين أخبرني أبي عن جدي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجعلوا قبري عيداً ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً وصلوا علي وسلموا حيثما كنتم فسيبلغني سلامكم وصلاتكم)) وهذا الأثر يبين لنا أن ذلك الرجل زاد في الحد، وخرج عن الأمر المسنون، فيكون كلام علي بن الحسين موافقاً لما تقدم عن مالك، وليس إنكاراً لأصل الزيارة، أو يكون أراد تعليمه أن السلام يبلغ من الغيبة لما رآه يتكلف الإكثار من الحضور، وعلى ذلك يحمل ما ورد عن حسن بن حسن وغيره من ذلك ولم يذكر هذا الأثر ليحتج به، بل للتأنيس به بأمر محتمل في ذلك الأثر المطلق وإبداء وجهه من وجوه التأويل، وكيف يتخيل في أحد من السلف منهم من زيارة المصطفى، وهم مجمعون على زيارة سائر الموتى، وسنذكر ذلك وما ورد من الأحاديث والآثار في زيارتهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء الذين ورد فيهم أنهم أحياء كيف يقال فيهم هذه المقالة، انتهى كلام المعترض.


(١) ص ٣٣-٣٤ ووقع فيه: ما اشتهره عليه والصواب ما ها هنا.

<<  <   >  >>