للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الصحيح أنه ذكرت له أم سلمة كنيسة بأرض الحبشة وذكرت من حسنها وتصاوير فيها فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد بنوا على قبرة مسجداً وصوروا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة (١) .

وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: إني أبرأ إلى أن يكون لي منكم خليل فإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، إلا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (٢) .

وفي السنن عنه قال: ((لا تتخذوا قبري عيداً وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني (٣) ، وفي الموطأ وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (٤) ، وفي المسجد وصحيح أبي حاتم عن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم قال: أن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبر مساجد (٥) .

ومعنى هذه الأحاديث متواتر عنه صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي،ـ وكذلك عن أصحابه، فهذا الذي نهى عنه من اتخاذ القبور مساجد مفارق، لما أمر به وشرعه من السلام على الموتى والدعاء لهم، فالزيارة المشروعة من جنس الثاني، والزيارة المبتدعة من جنس الأول، فإن نهيه عن اتخاذ القبور مساجد يتضمن النهي عن بناء المساجد عليها، وعن قصد الصلاة عندها، وكلاهما منهي عنه باتفاق العلماء فإنهم قد نهوا عن بناء المساجد على القبور، بل صرحوا بتحريم ذلك كما دل عليه النص، واتفقوا أيضاً على أنه لا يشرح قصد الصلاة والدعاء عند القبور، ولم يقل أحد من أئمة المسلمين أن الصلاة عندها والدعاء عندها أفضل


(١) أخرجه البخاري ١/٥٢٣ ورقم ٤٣٤، ١٣٤١، ٣٨٧٨ ومسلم ١/٣٧٥ من حديث أم سلمة وأم حبيبة.
(٢) انظر ١/٣٧٧، ٣٧٨.
(٣) تقدم الكلام عليه والزيادة فيه (ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء) من كلام الحسن لا من كلام النبي عليه الصلاة والسلام وانظر كشف الأستار رقم ٧٠٧.
(٤) رواه أحمد في مسنده ٢/٢٤٦ ورواه مالك مرسلاً ١/١٧٢.
(٥) رواه أحمد في مسند ١/٤٣٥ ورواه عبد الرزاق في مصنفه ١/٤٠٥رقم ١٥٨٦ قال: وأحسب أن معمراً رفعه.

<<  <   >  >>