البتة، بل المنقول الثابت عنهم ما قد عرف مما يسود الغلاة فيما يكرهه وينهي عنه من الغلو والشرك الجفاة عما يحبه ويأمر به من التوحيد والعبودية.
ولما كان هذا المنقول شيخاً في حلوق البغاة وقذى في عيونهم، وريبة في قلوبه قابلوه بالتكذيب، والطعن في الناقل، ومن استحيي منهم من أهل العلم بالآثار قابله بالتحريف والتبديل، ويأتي الله إلا أن يعلي منار الحق، ويظهر أدلته ليهتدي المسترشد وتقوم الحجة على المعاندة فيعلي الله بالحق من يشاء، ويضع برده ويطرده وعغمص أهله من يشاء.
وبالله العجب أكان ظلم الأمة لأنفسها ونبيها حي بين أظهرها موجود، وقد دعيت فيه إلى المجيء إليه ليستغفر لها وذم من تخلف عن هذا المجيء، فلما توفي صلى الله عليه وسلم ارتفع ظلمها لأنفسها بحيث لا يحتاج أحد منهم إلى المجيء إليه ليستغفر له؟ وهذا يبين أن هذا التأويل الذي تأول عليه المعترض هذه الآية تأويل باطل قطعاً، ولو كان حقاً لسبقونا إليه علماً وعملاً وإرشاداً ونصيحة.
ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنة لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه ولا بينوه للأمة، فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا وضلوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر، فكيف إذا كان التأويل يخالف تأويلهم ويناقضه، وبطلان هذا التأويل أظهر من أن يطنب في رده، وإنما ننبه عليه بعض التنبيه.
ومما يدل على بطلان تأويله قطعاً أنه لا يشك مسلم أن من دعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، وقد ظلم نفسه ليستغفر له فأعرض عن المجيء، واباه مع قدرته عليه كان مذموماً غاية الذم مغموصاً بالنفاق، ولا كذلك من دعى إلى قبره ليستغفر له، ومن سوى بين الأمرين وبين المدعويين وبين الدعوتين، فقد جاهر بالباطل، وقال على الله وكلامه ورسوله وأمناء دينه غير الحق.
وأما دلالة الآية على خلاف تأويله فهو أنه سبحانه صدرها بقوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ}(النساء ٠٦٤) وهذا يدل على أن مجيئهم إليه ليستغفر لهم إذ ظلموا أنفسهم طاعة له، ولهذا ذم من تخلف عن هذه الطاعة، ولم يقل مسلم أن علي من ظلم نفسه بعد موته أن يذهب إلى قبره ويسأله أن يستغفر له، ولو كان هذا طاعة له لكان خير القرون قد عصوا هذه الطاعة وعطلوها ووفق لها هؤلاء الغلاة العصاة وهذا بخلاف قوله {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا