للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصحيحين أنه كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لا حقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكن العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم (١) ، وهذا في زيارة قبور المؤمنين، وأما زيارة قبر الكافر فرخص فيه لأجل تذكار الآخرة، ولا يجوز الاستغفار لهم، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، وقال: ((استأذنت ربي في أن أزور فبرها فأذن لي واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (٢) .

والعلماء المتنازعون كل منهم يحتج بدليل شرعي،ويكون عند بعضهم من العلم ما ليس عند الآخر، فإن العلماء ورثة الأنبياء، قال الله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ () فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} (الأنبياء ٠٧٨-٠٧٩) والأقوال الثلاثة صحيحة باعتبار، فإن الزيارة إذا تضمنت أمراً محرماً من شرك،أو كذب، أو ندب، أو نياحة، وقول هجر، فهي محرمة بالإجماع كزيارة المشركين بالله والساخطين لحكم الله، وفإن هؤلاء زيارتهم محرمة، فإن لا يقبل دين إلا الإسلام وهو الاستسلام لخلقه، وأمره، فنسلم لما قدره الله وقضاه، ونسلم لما يأمر به ويحبه، وهذا نفعله وندعو إليه وذلك نسلمه ونتوكل فيه عليه، فنرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً،ونقول في صلاتنا (إياك نعبد وإياك نستعين) مثل قوله (فأعبده وتوكل عليه) وقوله: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} (البقرة ٠٤٥) {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ () وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (هود ١١٤-١١٥)

والنوع الثاني: زيارة القبور لمجرد الحزن على الميت لقرابته، أو صداقته فهذه مباحة كما يباح البكاء على الميت بلا ندب، ولا نياحة، كما زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، وقال: ((زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)) فهذه الزيارة كان ينهي عنها لما كانوا يصنعون من المنكر، فلما عرفوا الإسلام أذن فيها لأن فيها مصلحة وهو تذكر الموت، فكثير من الناس إذا رأى قريبة وهو مقبور ذكر الموت واستعد للآخرة وقد يحصل منه جزع فيتعارض الأمران، ونفس الجنس مباح أن قصد به طاعة كان طاعة وإن عمل معصية كان معصية.


(١) تقدم، وانظر صحيح مسلم ١/٢١٨ و ٢/٦٩، ٦٧٠، +٦٧١.
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <   >  >>