قال: وهذا النزاع لم يتناول المعنى الذي أراده العلماء بقولهم: يستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا إطلاق القول بأنه يستحب السفر لزيارة قبره كما هو موجود في كلام كثير منهم، فإنهم يذكرون الحج ويقولون: يستحب للحاج أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن هذا إنما يمكن مع السفر، لم يريدوا بذلك زيارة القريب، بل أرادوا زيارة البعيد فعلم أنهم قالوا: يستحب السفر إلى زيارة قبرة، لكن مرادهم بذلك هو السفر إلى مسجده إذا كان المسافرون والزوار لا يصلون إلا إلى مسجده ولا يصل أحد إلى قبره ولا يدخل إلى حجرته، ولكن قد يقال هذا في الحقيقة ليس زيارة لقبره ولهذا كره من كره من العلماء أن يقول: زرت قبره،ومنهم من لم يكرهه، والطائفتان متفقون على أنه لا يزار قبره كما تزار القبور، بل إنما يدخل إلى مسجده.
وأيضاً فالنية في السفر إلى مسجده وزيارة قبره مختلفة، فمن قصد السفر إلى مسجدة للصلاة فيه، فهذا مشروع بالنص والإجماع وإن كان لم يقصد إلا القبر ولم يقصد المسجد فهذا مورد النزاع، وأما من كان قصده السفر إلى مسجده وقبره معاً فهذا قد قصد مستحباً مشروعاً بالإجماع، ولهذا لم يكن في الجواب تعرض لهذا، وقال الشيخ أيضاً (١) السفر المسمى زيارة له إنما هو سفر إلى مسجده، وقد ثبت بالنص والإجماع أن المسافر ينبغي له أن يقصد السفر إلى مسجده والصلاة فيه.
وعلى هذا فقد يقال: نهيه عن شد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة لا يتناول شدها إلى قبره، فإن ذلك غير ممكن، لم يبق إلا شدها إلى مسجده وذلك مشروع بخلاف غيره فإنه يمكن زيارته فيمكن شد الرحل إليه، لكن يبقى قصد المسافر ونيته ومسمى الزيارة في لغته هل قصد مجرد القبر، أو المسجد، أو كلاهما، كما قال مالك لمن سأله عمن نذر أن يأتي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن كان أراد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فليأته وليصل فيه، وإن كان أراد القبر فلا يفعل للحديث الذي جاء لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد.
فهذا السائل من عرفة أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم تناول من أتى المسجد وكان قصده القبر، ومن أتاه وقصده المسجد؛ وهذا عرف عامة الناس المتأخرين يسمون هذا كله زيارة واحدة، ولم يكن هذا لغة السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، بل تغير الاصطلاح في مسمى اللفظ والمقصود به وهو صلى الله عليه وسلم لا يشرع للقريب من زيارته ما ينهي عنه المسافر