للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ () مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ () مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الروم ٠٣٠)

وهؤلاء تارة يجعلون الحج إلى قبورهم أفضل من الحج وتارة نظير الحج، وتارة بدلاً عن الحج.

فالجواب كان عن مثل هؤلاء، ولكن كان ذكر قبر نبينا لشمول الأدلة الشرعية، فإنه إذا احتج بقوله: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، كان مقتضى هذا أنه لا يسافر إلا إلى المسجد لا إلى مجرد القبر، كما قال مالك للسائل الذي سأله من نذر أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن كان أراد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فليأته وليصل فيه، وإن كان أراد القبر فلا يفعل للحديث الذي جاء ((لا تعمل المطي، إلا إلى ثلاثة مساجد)) وهذا كما لو نهى الناس أن يحلفوا بالمخلوقات، وذكر لهم قول النبي: ((من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)) (١) وقوله: لا تحلفوا بالله ونحوه، وقيل: إنه لا يجوز الحلف بالملائكة ولا الكعبة ولا الأنبياء ولا غيرهم، فإذا قيل: ولا بالنبي لزم طرد الدليل، فقيل: ولا يحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما قاله جمهور العلماء، وهو مذهب مالك والشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد في إحدى الروايتين، ومن الناس من يستثني نبينا كما استثناه طائفة من الخلف فجوز الحلف به وهو إحدى الروايتين عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه كالقاضي أبي يعلي وأتباعه وخصوه بذلك، وبعضهم طرد ذلك من الأنبياء، وهو قول ابن عقيل في كتابه المفردات، لكن قول الجمهور أصح لأن النهي هو عن الحلف بالمخلوقات كائناً من كان كما وقع الني عن عبادة المخلوق، وعن تقواه وخشيته والتوكل عليه وجعله نداً لله، وهذا متناول لكل مخلوق، نبينا وسائر الأنبياء والملائكة وغيرهم، فكذلك الحلف بهم والنذر لهم أعظم من الحلف بهم، والحج إلى قبورهم أعظم من الحلف بهم والنذر لهم وكذلك السفر إلى زيارة القبور وقصر الصلاة فيه.,

ولأصحاب أحمد فيه أربعة أقوال قيل تقصر الصلاة مطلقاً في كل سفر لزيارة القبور، وقيل:لا تقصر في شيء من ذلك: وقيل: تقصر في السفر لزيارة قبر نبينا خاصة وقيل: بل لزيارة قبره وسائر قبور الأنبياء، فالذين استثنوا نبينا قد يعللون ذلك بأن السفر هو إلى مسجده، وذلك مشروع مستحب بالاتفاق، فتقصر فيه الصلاة بخلاف السفر إلى قبر


(١) رواه البخاري ١٠/٥١٦ ومسلم ٣/١٢٦٧.

<<  <   >  >>