من غيره، وإنما الذي جعله يتفوق على غيره من الصحابة في كثرة الرواية، أنه استجاز لنفسه أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل كلام حسن، قاله أو لم يقله، مما هو خارج عن دائرة الحلال والحرام، كالحث على مكارم الأخلاق، وأخبار الجنة والنار. قالوا: وسند أبي هريرة في ذلك أحاديث رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم منها:
١- "إذا لم تحلوا حراما ولم تحرموا حلالا وأصبتم المعنى فلا بأس".
٢- "إذا حدثتم عني بحديث يوافق الحق فخذوا به، حدثت به أولم أحدث".
٣- "ما بلغكم عني من قول حسن لم أقله فأنا قلته".
والجواب عن ذلك: أن كثرة أحاديث أبي هريرة مع تأخر إسلامه لا ترجع إلى ما زعموه، وإنما ترجع إلى انقطاعه عن الدنيا إلى مجالسه صلى الله عليه وسلم، وملازمته إياه سفرا وحضرا، وإلى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، ألا ينسى شيئا من حديثه، وغل أنه عاش بعد وفاته صلى الله عليه وسلم نحوا من خمسين عاما، يأخذ عن الصحابة ما فاته من الأحاديث، ثم يرويها للناس.
وأما زعمهم أنه استجاز لنفسه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير الحلال والحرام، فباطل من وجوه:
١- أن أبا هريرة من رواة حديث:"من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار"، وثبت عنه أنه كان يذكره بين يدي ما يريد أن يرويه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من مجالسه.
٢- وأن الصحابة قد أقروه على رواية الأحاديث، ورووها عنه،