عقد الحاكم أبو عبد الله في كتابه "المستدرك"١، فصلا قيما في الثناء على راوية الإسلام ذكر فيه كثيرا من الأحاديث الدالة على فضله، وعلو شأنه ثم ختم هذا الفصل بقوله نقلا عن شيخه أبي بكر قال: "وإنما يتكلم في أبي هريرة لدفع أخباره من قد أعمى الله قلوبهم، فلا يفهمون معاني الأخبار: أما معطل جهمي يسمع أخباره، التي يرونها خلاف مذهبهم، الذي هو كفر فيشتمون أبا هريرة، ويرمونه بما الله تعالى قد نزهه عنه، تمويها على الرعاء والسفلة، أن أخباره لا تثبت بها الحجة. وأما خارجي يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يرى طاعة خليفة ولا إمام، إذا سمع أخبار أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف مذهبهم الذي هو ضلال، ولم يجد حيلة في رفع أخباره بحجة وبرهان، كان مفزعه الوقيعة في أبي هريرة.
أو قدري اعتزل الإسلام وأهله، وكفر أهل الإسلام، الذين يتبعون الأخبار الماضية التي قدرها الله تعالى، وقضاها قبل كسب العباد لها، إذا نظر إلى أخبار أبي هريرة، التي قد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات القدر، ولم يجد حجة يؤيد بها صحة مقالته، التي هي كفر وشرك، كانت حجته عند نفسه أن أخبار أبي هريرة لا يجوز الاحتجاج بها. أو جاهل يتعاطى الفقه، ويطلبه من غير مظانه.
إذا سمع أخبار أبي هريرة فيما يخالف مذهب من قد اجتبى مذهبه، واختاره تقليدا بلا حجة ولا برهان، تكلم في أبي هريرة، ودفع أخباره التي تخالف مذهبه، ويحتج بأخاه على من خالفه إذا كانت أخباره موافقة لمذهبه.