للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخطاب في التوراة، قال: اللهم لا، ولكن أجد صفتك وحليتك، وأنه قد فني أجلك" قالوا: فهذه القصة تدل على وقوف كعب على مكيدة قتل عمر، بل على اشتراكه فيها، ثم وضعها هو في هذه الصيغة الإسرائيلية ليدفع عن نفسه التهمة، ولينال ثقة المسلمين فيما يخبرهم به عن التوراة وغيرها. والجواب أن ابن جرير، وغيره من المؤرخين لم يلتزموا الصحة فيما ينقلون ويحكون، ولذا تجد في كتبهم الضعيف والموضوع، والباحث المنصف إذا نقل خبرا من هذه الكتب ينبغي أن يمحصه سندا ومتنا، ولا يأخذه قضية مسلمة. ونحن إذا نظرنا في هذه القصة لا نشك في أنها تنادي على نفسها بالكذب والاختلاق، وذلك:

١- لأنها لو كانت في التوراة لما اختص بعلمها كعب وحده، ولكن كان يشاركه العلم بها، أمثال عبد الله بن سلام ممن لهم علم بالتوراة.

٢- ولأنها لو صحت لكان المنتظر من عمر حينئذ أن لا يكتفي بقول كعب، ولكن يجمع طائفة ممن أسلم من أهل الكتاب، ولهم إحاطة بالتوراة، ويسألهم عن هذه القصة، وهو لو فعل لافتضح أمر كعب، وظهر للناس كذبه، ولتبين لعمر أنه شريك في مؤامرة دبرت لقتله، أو أنه على علم بها، وحينئذ يعمل عمر على الكشف عنها بشتى الوسائل، وينكل بمدبريها، ومنهم كعب هذا هو المنتظر من أي حاكم عادي يقال له مثل ذلك، فضلا عن عمر، المعروف بكمال الفطنة، وحدة الذهن، وتمحيص الأخبار. لكن شيئا من ذلك لم يحصل، فكان ذلك دليلا على اختلاقها.

<<  <   >  >>