للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك، لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار". ا. هـ وينبغي أن يخص الإذن بمن تمكن في علوم الشريعة، وقويت معرفته بأصولها كما ذكرنا، وإلا لحدث اللبس والتخليط في العقائد١ وقد صرح بذلك الحافظ نفسه في موضع آخر من فتح الباري "ج١٣-ص٤٣٨" إذ يقول: "والأولى في هذه المسألة التفرقة بين من لم يتمكن، ويصر من الراسخين في الإيمان، فلا يجوز له النظر في شيء من ذلك، بخلاف الراسخ فيجوز له، ولا سيما عند الاحتياج إلى الرد على المخالف، ويدل على ذلك نقل الأئمة قديما وحديثا من التوراة، وإلزامهم اليهود بالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم، بما يستخرجونه من كتابهم، ولولا اعتقادهم جواز النظر فيه لما فعلوه، وتواردوا عليه". ا. هـ وبهذا البيان تجتمع لديك الأحاديث والآثار، ولا يكون بينها تناقض أو اختلاف -ويرى بعضهم أن معنى حديث عبد الله بن عمرو: حدثوا عن بن إسرائيل بما لم يثبت لديكم كذبه في المواعظ والقصص، لا في العقائد والأحكام- وحمل


١ من هنا تستطيع التوفيق بين منع ابن مسعود، وابن عباس عن سؤال أهل الكتاب والنظر في كتبهم، وما كان منهما من الأخذ عن كعب، وغيره من مسلمي أهل الكتاب. كما تستطيع أن تفهم سر منع عمر بن الخطاب كعبا من رواية الإسرائيليات، وقوله له: "إن كنت تعلم أنها التوراة التي أنزلها الله على موسى، فاقرأها آناء الليل والنهار"، فعمر يخشى على عامة الناس أن لا يميزوا بين الحق والباطل، فتتشوش عليهم عقائدهم، ويرى أن مدارسة القرآن والحديث أهم من هذا، وكعب يرى أن ذكر ما في التوراة من البشائر النبوية، وغيرهما مما أخبر عنه القرآن، والحديث، يزيد المؤمنين إيمانا، "ولكل وجهة هو موليها"، هذا هو الباعث لكل منهما، لا ما يزعمه المبشرون وأذنابهم من أن كعبا كان كاذبا في الحديث عن التوراة، وأنه كان يهوديا يتظاهر بالإسلام ليفسد عقائد المسلمين، ومن أجل ذلك منعه عمر فيما يزعمون.

<<  <   >  >>