للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك مراسيل كبار التابعين إن جاءت من وجه آخر، ولو مرسلة أو اعتضدت بقول صحابي، أو أكثر العلماء، أو كان المرسل لو سمي لا يسمى إلا ثقة، فحينئذ يكون مرسله حجة عنده، ولا ينتهض إلى رتبة الحديث المتصل، وأما مراسيل غير كبار التابعين، فلا يحتج بها بحال١.

ومما تقدم يتبين أن الاختلاف كان عظيما في تقدير قيمة الحديث المروي، فقد تجد الحديث يعمل به الحنفي لشهرته، ويرفضه الشافعي لضعف في سنده، وتجد المالكي يرفض الحديث؛ لأن عمل أهل المدينة جرى على خلافه، ويعمل به الشافعي لقوة في سنده، ولما جاءت طبقة الناصرين للمذاهب، والناقدين لها لم يلتفتوا إلى هذه الأصول، التي أخذ بها أئمتهم، وصاروا يأخذون على خصومهم مخالفة أي حديث صح سنده، وإن لم يستوف تلك الشروط التي اشترطها من ينتقدونه، كذلك نجدهم يجتهدون في إضعاف كل حديث لم يأخذ به إمامهم بالطعن في سنده، أو بأي مأخذ آخر مع أنه كان من السهل أن يقال إن الإمام لم يأخذ بهذا الحديث، لعدم استيفائه الشرط، الذي جمعله أصلا للعمل بالحديث٢.

أبو حنيفة كان واسع الاطلاع في الحديث ويعمل به:

ترك أبو حنيفة رحمه الله العمل بكثير من الحاديث الآحادية، بناء على أصوله التي قدمناها لك، واحتج بالأحاديث المرسلة المشهورة، وأكثر من القياس فيها لم يصح فيه أثر فرماه بعض المتعصبين من أهل الفقه، والحديث بأنه:


١ اختصار علوم الحديث لابن كثير ص٣٩.
٢ تاريخ التشريع الإسلامي للخضري ص٢١٠.

<<  <   >  >>