وشعبة، وابن المبارك وكثير غيرهم. أجمع العلماء على إمامة الأوزاعي، وجلالته وعلو مرتبته وكمال فضله، كما اتفقوا على كثرة حديثه، وغزارة فقهه، وشدة تمسكه بالسنة وبراعته في الفصاحة. عن عبد الرحمن بن مهدي قال: ما كان بالشام أحد أعلم بالسنة من الأوزاعي، وقال أيضا: الأئمة في الحديث أربعة. الأوزاعي ومالك، وسفيان الثوري وحماد بن زيد، وقال أبو حاتم: الأوزاعي إمام متبع لما سمع١، وعن هقل:"وهو أثبت الناس في الرواية عن الأوزاعي" قال: "أجاب الأزاعي في سبعين ألف مسألة أو نحوها"، وكان علماء عصره يجلونه غاية الإجلال، ويكبرونه في أنفسهم ويعترفون له بالإمامة، والسبق والزهد والورع، والجهر بالحق. قيل لأمية بن يزيد: أين الأوزاعي من مكحول. قال: هو عندنا أرفع من مكحول. فقيل له: إن مكحولا رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وإن كان قد رآهم فإن فضل الأوزاعي في نفسه. فقد جمع العبادة، والورع، والقول بالحق. وعن سفيان الثوري أنه لما بلغه مقدم الأوزاعي، خرج حتى لقيه بذي طوى، فحل سفيان رأس البعير عن القطار ووضعه على رقبته، وكان إذا مر بجماعة قال: الطريق للشيخ.
١ وأما قول الإمام أحمد في الأوزاعي. حديث ضعيف، فهو محمول عند المحققين كالبيهقي على أنه كان يحتج في بعض مسائل الفقه بالروايات الضعيفة، وهذا لا يضيره في الفقه، ولا في الحديث أما الأول؛ فلأن للعلماء في طرق الاستدلال على الأحكام مسالك مختلفة، وكثيرا ما يستدلون بالأحاديث المرسلة، والمنقطعة، والموقوفة لا سيما إذا تعددت طرقها، أو كان لا شواهد تؤيدها. وأما الثاني فقد كان من عادة المحدثين ألا يقصروا أنفسهم على رواية الصحيح من الأحاديث، بل يذكرون الموضوع لبيان حاله، والضعيف لجواز الاعتبار به، أو الاحتجاج إذا تعددت طرقه، أو أيدته الشواهد، أو لغير ذلك من المقاصد.