وقال الإمام السندي الحنفي:"تقرر أن الصحابة ما كانوا كلهم مجتهدين على اصطلاح العلماء، فإن فيهم القروي، والبدوي ومن سمع منه صلى الله عليه وسلم حديثا واحدا، أو صحبه مرة ولا شك أن من سمع حديثا، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن واحد من الصحابة رضي الله عنهم، كان يعمل به حسب فهمه مجتهدا كان أو لا، ولم يعرف أن غير المجتهد منهم كلف بالرجوع إلى المجتهد، فيما سمعه من الحديث لا في زمانه، صلى الله عليه وسلم، ولا بعده في زمان الصحابة رضي الله عنهم، وهذا تقرير منه صلى الله عليه وسلم بجواز العمل بالحديث لغير المجتهد، وإجماع من الصحابة عليه، ولولا ذلك لأمر الخلفاء غير المجتهد منهم سيما أهل البودي، أن لا يعلموا بما بلغهم عن النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة، أو بواسطة حتى يعرضوا على المجتهدين منهم، ولم يرد في هذا عين ولا أثر، وهذا هو ظاهر قوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، ونحوه من الآيات، حيث لم يقيد بأن ذلك على فهم الفقهاء. ومن هنا عرفت أنه لا يتوقف العمل بعد وصول الحديث الصحيح على معرفة عدم الناسخ، أو عدم الإجماع على خلافه، أو عدم المعارض، بل ينبغي العمل به إلى أن يظهر شيء من الموانع، فينظر ذلك ويكفي في العمل كون الأصل عدم هذه العوارض المانعة عن العمل، وقد بنى الفقهاء على اعتبار الأصل في شيء أحكاما كثيرة في الماء، ونحوه لا تخفى على المتتبع لكتبهم. ومعلوم أن من أهل البوادي، والقرى البعيدة من كان يجيء إليه صلى الله عليه وسلم مرة، أو مرتين ويسمع شيئا، ثم يرجع إلى بلاده ويعمل به، والوقت كان وقت نسخ وتبديل، ولم يعرف أنه صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من هؤلاء بالمراجعة، ليعرف الناسخ من المنسوخ بل أنه صلى الله عليه وسلم قرر من:قال "لا أزيد على هذا ولا أنقص" على ما قال ولم ينكر عليه بأنه يحتمل النسخ