ولد في بغداد سنة ١٦٤. وفي حداثته كان يختلف إلى مجلس القاضي أبي يوسف، ثم ترك ذلك وأقبل على سماع الحديث سنة ١٨٧. وقد طاف في البلاد والآفاق، وسمع من مشايخ العصر، وكانوا يجلونه ويحترمونه، ومن مشايخه هشيم وإبراهيم بن سعيد، وسفيان بن عيينة، وتفقه بالشافعي حين قدم بغداد ولزمه واستفاد منه، وعني عناية عظيمة بالسنة والفقه، حتى عده أهل الحديث إمامهم وفقيههم، وقد أخذ عنه الحديث جماعة من الأماثل، منهم محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، والشافعي، وعبد الرزاق ووكيع وهؤلاء الثلاثة من شيوخه، وقد كان الإمام الشافعي على جلالة قدره في الحديث، والفقه يعتمد الإمام أحمد في تصحيح الأحاديث، وتضعيفها ولذلك لما اجتمع به في بغداد سنة ١٩٨. قال له: يا أبا عبد الله إذا صح عندكم الحديث، فأعلمني به أذهب إليه حجازيا كان، أو شاميا، أو عراقيا، أو يمنيا، وعمر أحمد إذ ذاك نيف وثلاثون سنة، وقال الشافعي: خرجت من العراق فما تركت رجلا أفضل، ولا أعلم ولا أورع، ولا أتقى من أحمد بن حنبل، وكذلك اعترف له بعلو المكانة في العلم، والحديث علماء عصره على اختلاف ميولهم، ومشاربهم قال إسحاق بن راهويه:"أحمد حجة بين الله، وبين عبيده في أرضه"، وقال يحيى بن معين:"كان في أحمد بن حنبل خصال ما رأيتها في عالم قط كان محدثا، وكان حافظا وكان عالما، وكان ورعا وكان زاهدا وكان عاقلا"، وقال أيضا:"أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل، والله ما نقوى أن نكون مثله، ولا نطيق سلوك طريقه". ا. هـ.
وقد استحوذ جماعة من المعتزلة على المأمون، ثم المعتصم، ثم الواثق ودعوهم إلى أن يحملوا الناس على القول بخلق القرآن، وممن أريد على ذلك الإمام أحمد بن حنبل، فأبى كل الإباء فضرب وحبس وهو