مرة يقول: أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بعلم الحديث من أهل زمانه في جرح الرواة، وتعديلهم وكان شديد التحفظ والورع، فتراه يقول في سننه وهو يروي عن الحارث بن مسكين: هكذا قرئ عليه، وأنا أسمع ولا يقول في الرواية عنه: حدثنا أو أخبرنا كما يقول في روايات أخرى عن مشايخه".
سمع إسحاق بن راهويه، وأبا داود السجستاني، ومحمود بن غيلان، وقتيبة بن سعيد، وعلي بن خشرم وغيرهم من أهل خراسان، والحجاز والجزيرة، ومصر والشام وغيرها، وأخذ عنه الحديث خلق كثير منهم الدولابي، وأبو القاسم الطبراني، وأبو جعفر الطحاوي، ومحمد بن هارون بن شعيب.
رحل وهو ابن "١٥" سنة إلى قتيبة بن سعيد البلخي، ومكث عنده سنة وشهرين، وأخذ عنه الحديث وقدم مصر، وأقام بها طويلا وانتشرت بها تصانيفه، وأخذ عنه الناس، ثم خرج منها سنة "٣٠٢" إلى دمشق، فسئل عن معاوية وما روي من فضائله، ففضل عليا عليه، فما زالوا به حتى قتلوه ضربا. قال الدارقطني: "لما امتحن النسائي بدمشق قال: احملوني إلى مكة، فحمل إليها فتوفي بها، ودفن بين الصفا والمروة"، وصوب الذهبي أنه مات بالرملة بفلسطين.
نقل التاج السبكي عن شيخ الحافظ الذهبي ووالده التقي السبكي، أن النسائي أحفظ من مسلم صاحب الصحيح، وأن سننه أقل السنن بعد الصحيحين حديثا ضعيفا، بل قال بعض الشيوخ: أنه أشرف المصنفات كلها، وما وضع في الإسلام مثله، وقد قال ابن منده وابن السكن، وأبو علي النيسابوري، وأبو أحمد بن عدي، والخطيب والدارقطني: "كل ما في سنن النسائي صحيح"، لكن في هذا تساهل صريح، وشذ بعض المغاربة ففضله