معظم البلاد الإسلامية، فينتزعون الملك من بني بويه، ويستولون على الجزيرة وآسيا الوسطى، وينازعون الفاطميين ملك الشام، وتصبح لهم الكلمة النافذة في جميع الأقاليم الإسلامية، ما عدا مصر وبلاد المغرب.
ثم لما دب الخلاف بين آل سلجوق، هبت ريح الصليبيين فقاموا في أواخر القرن الخامس، واستولوا على بيت المقدس سنة ٤٩٠، وكانت لهم حروب طويلة مع المسلمين، وعلى أنقاض الدولة السلجوقية، قامت دولة الأتابكية وانتشرت شرقا وغربا، حتى سقطت الدولة الفاطمية بمصر على يد محمود نور الدين، وعادت مصر ولاية عباسية، وأقام بها صلاح الدين الأيوبي، أحد قواد محمود نور الدين دولة عظيمة.
أما في بلاد المشرق خراسان، وما إليها، فقد أقام خوارزم شاه محمد بن تكش دولة قوية، قضت على الملوك وضمت الممالك، وفي أواخر القرن السادس، عزم خوارزم شاه على التوجه إلى الخليفة، ليقضي عليه، فلم يتيسر له ذلك وباغته التتار النازحون من أطراف الصين، والبراري -وهم قوم اشتهروا بالشر والغدر- وعلى رأسهم جنكيز خان قائدهم الأعلى، ولم يلبثوا أن أغاروا على البلاد الإسلامية في سرعة هائلة، يسفكون الدماء ويقتلون الأبرياء، حتى وصلوا إلى بغداد، وقتلوا الخليفة وأسقطوا الخلافة العباسية، وذلك سنة ٦٥٦هـ.
هذا ومما هو جدير بالذكر أن هذه الأحداث التاريخية، الهائلة، والتقهقر السياسي الخطير لم يصحبه تقهقر علمي، بل ما زالت الحركة العلمية قائمة، فالعلماء يرحلون من قطر إلى آخر، ويتلقى بعضهم عن بعض، ويعرضون الكتب والمسموعات على الشيوخ. وكان لهم نشاط علمي في نقد الرجال، وتمحيص الأحاديث، ومصنفات جياد في علل الحديث، وتاريخ الرواة وعلوم الحديث عامة.
غير أنهم لم يبلغوا شأو المتقدمين، بل كثيرا ما كانوا يتكلمون بلسان أهل القرون السابقة١.
١ تاريخ التشريع للحصري ص٣٣٣، وما بعدها وتاريخ الخلفاء للسيوطي في عدة أماكن.