للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مذاهبهم الباطلة، حتى تروج لدى أتباعهم، فابن الجوزي في مقدمة كتاب الموضوعات، يروي عن ابن لهيعة أنه قال: سمعت شيخا من الخوارج تاب ورجع فجعل يقول: إن هذه الأحاديث دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا، وهذا عبد الرحمن بن مهدي، يقول فيما نسبوه إلى النبي صلى الله علهي وسلم من قولهم: "إذا أتاكم الحديث عني، فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته" إلخ: أن الخوارج والزنادقة، وضعوا ذلك الحديث. وهذا ليس ببعيد من قوم وقفوا عند ظواهر الكتاب وردوا الحديث، إذا جاء من غير من ينتمون إليه. إلا أن وضع الخوارج للحديث لم يكن بالكثرة، التي جاءت عن الشيعة وذلك لأمور:

١- أن الخوارج كان من مذهبهم تكفير الكاذب، وذلك مما يجعل الكذب فيهم قليلا.

٢- أنهم كانوا لبداوتهم وجفاء طبعهم، وغلظتهم غير مستعدين لقبول أفراد من الأمم الأخرى، كالفرس، واليهود الذين اندسوا في الشيعة، ووضعوا كثيرا من الأحاديث.

٣- كان عماد الخوارج في محاربة خصومهم، إنما هو أسلحتهم وقوتهم وشجاعتهم، وكانوا مع ذلك صرحاء لا يعرفون التقية، التي استخدمها الشيعة. لذلك تراهم لم يلجأوا إلى الكذب لانتقاص أعدائهم؛ لأنهم في نظرهم كفار، وليس بعد الكفر عيب ينتقص به صاحبه فلم يبق سوى السيف يعملونه في رقابهم من غير مداهنة، ولا مداجاة.

فكل هذه العوامل كان لها أثر في تقليل الكذ في الحديث، من الخوارج بالنسبة إلى غيرهم من الفرق الأخرى. ومع ذلك لم يعدموا أفرادا منهم اصطنعوا الأكاذيب، واختلقوا الأحاديث كما رأيت.

<<  <   >  >>