لا بد عند الكلام عن الزراعة أن نتخيل البيئة المصرية في بداية العصور الفرعونية؛ فالمعروف أن النهر كان متسع المجرى قليل الغور؛ لأنه لم يكن قد عمق هذا المجرى تمامًا فكانت مياه الفيضان تغمر الجانبين إلى مسافات بعيدة ونتج عن ذلك أن المستنقعات والغابات كانت شائعة وخاصة في الدلتا؛ أي: أن هذه البيئة المصرية كانت في أول الأمر بيئة صياد بطبيعتها، ثم عرف الإنسان استئناس الحيوان، وحينما تعددت مطالبه وعجز عن الاكتفاء بهاتين الحرفتين وتوصل إلى الزراعة بدأ حياة الاستقرار فأخذ يقتلع الغابات ويزرع مكانها، وقد أدى ذلك إلى الإفادة من مياه النيل وأخذ ينظم جهوده المشتركة ليستطيع التغلب على مياه النهر والتحكم فيها لفائدته؛ ولذا كان النيل من أهم البواعث التي أدت إلى ظهور المجتمعات المنظمة، وكان ظهور المجتمعات الصغيرة إلى جوار بعض سببًا في اشتداد المنافسة بينها ومجالًا لنشأة الصراع في سبيل فرض النفوذ ونشر