من المرجح أن بلاد النهرين انتظمت في وحدات سياسية صغيرة منذ عصور سحيقة كانت كل منها تتمثل في مدينة من المدن تحيط بها ممتلكاتها الخاصة من المساحات الزراعية وغير الزراعية، وكان حكام هذه الدويلات يلقبون أنفسهم بلقب يعني "وكيل الإله" مما يشير إلى أن سلطة الحاكم كانت مستمدة من سلطة إله المدينة أو أنه يعتبر ممثلًا لهذا الإله؛ حيث يبدو أن المعابد كانت أهم المباني التي وجدت في العصور قبل التاريخية، وربما كانت حينئذ تمثل المراكز التي تدور حولها الحياة الاجتماعية في تلك المدن وربما كان كهنتها كذلك هم الذين يقومون بالإدارة في مثل هذه المجتمعات ومما يؤيد هذا أن الملوك في العصور التاريخية كانوا يعتبرون كهنة الآلهة الرئيسية ونوابها في حكم البشر. وقد ظل نفوذ رجال الدين سائدًا إلى أن أخذت هذه المدن أو المجتمعات تتصارع فيما بينها حتى ظهر فيها أفراد يمتازون بالقوة والدراية في الشئون الحربية فاكتسب هؤلاء صفات الزعامة وتولوا الحكم؛ وبالتالي أصبحت لهم الزعامة الدينية أيضًا وصار كل منهم كاهنًا أعلى لإله مدينته وأصبح رأس الدولة وصاحب السلطان المطلق فيها، ومع هذا يبدو أنهم لم يصلوا إلى هذه المكانة تلقائيًّا؛ إذ كانت كل مدينة تختار زعيمها وكان ذلك يتطلب وجود مندوبين عن المدينة في عملية هذا الاختيار، ولا شك أن المسنين والأعيان والرجال القادرين على حمل السلاح كانت لهم كلمتهم المسموعة في هذا الشأن فأصبح هؤلاء يشكلون مجلسين أحدهما من الشيوخ والأعيان والآخر