كان الملك على رأس المجتمع وهو سيده فذاته مَصُونة ولا تُمَسُّ، ولم يصل إلى هذه المكانة بالطبع إلا بعد تعاقب أجيال عديدة من الجماعات التي عاشت في وادي النيل، إذ يمكننا أن نتخيل أن هذه الجماعات كانت تسلم قيادها إلى زعماء أفرادها وتثق كل جماعة في زعيمها وتعترف له بالقوة والسيطرة، ثم أخذت هذه الجماعات تندمج معًا وانتقلت الزعامة إلى أيدي أقوى زعيم من هؤلاء، وبالطبع لم يكن ليصل إلى الزعامة إلا من تمتع بمييزات يعجز عنها غيره من الأفراد مما أدى إلى أن تنسب إليه قوى خارقه وأن يحاط بمظاهر الإجلال والقدسية ولكنه في نفس الوقت كثيرًا ما كان عرضة لأن يصبح هدفًا للحاسدين والمنافسين الذين يتحينون الفرص للإيقاع به والتخلص منه لإبداله بغيره، وليس من الضروري أن يكون العامل على التخلص منه عدوًّا بل قد يكون من أقرب المقربين إليه إذ يتصور أنه أحق منه بالمكانه التي يتمتع بها.
ولا شك في أن حروبًا كثيرة دارت بين الأقاليم المختلفة إلى أن وحدت هذه الأقاليم في قطرين:"مملكة الوجه القبلي ومملكة الوجه البحري" واستمر الحال على هذا المنوال زمنًا طويلا قبل أن توحد المملكتان توحيدًا مؤكدًا، وبالطبع أخذت مكانة الزعيم الأقوى تزداد ويعظم توقيره، وما أن صار هذا ملكًا حتى كانت قدسيته قد بلغت أوجها ونسب إلى الآلهة، ونظرًا لطول الأمد الذي عاشت فيه مملكتا الوجه القبلي والبحري منفصلتين فقد حرص الملك على إبراز حكمه لهذين القطرين فأصبح يطلق على نفسه: موحد القطرين، أو سيد القطرين.