ومن البديهي أن تنتقل كل الحقوق والواجبات التي كانت لزعيم الجماعة إلى ملك البلاد، وبما أن الزعيم كانت له السلطة المطلقة على الجماعة يتصرف في شئونها ويرعى حقوقها ويدافع عنها فقد أصبح الملك صاحب الحق المطلق في كل أملاك الدولة، وإذا سمح بإعطاء شئ منها إلى بعض المقربين له فإنما يكون ذلك من قبيل المنحة أو العارية التي يستطيع أن يستردها حينما يشاء بل وكانت الرعية من الناحية النظرية على الأقل ملكًا له يتصرف فيها وفق مايريد، وكان هو المحور التي يدور حوله كل شئون الدولة وهو المسيطر عليها والمتصرف فيها، إلا أنه في الواقع لم يكن ليستطيع ذلك إلا بمعاونة الوزراء وعدد من المستشارين الذين يستعينون بدورهم بالعديد من الموظفين والكتَّاب، وإلى جانب هؤلاء يعمل قوَّاد الجيش وجنودهم والكهنة وأتباعهم على احتفاظ الملك بسلطانه وإعلاء شأنه والمعاونة في تصريف شئون الدولة، وفي مختلف الأقاليم كان يمثل الملك أمراؤها الذين كانوا يستعينون بدورهم بأجهزة مصغرة لما هو موجود بالعاصمة.
وكان على الملوك أن يحسنوا علاقاتهم بكل هذه السلطات وفي نفس الوقت كانوا يعملون على عدم تهديدها لسلطانهم، وما دام الملك كان قويًّا فإنه كان ينعم باستقرار الأمر له، وازدهرت البلاد ونعمت بالأمن والهدوء في حين أن ضعف الملوك كان يؤدي إلى كثرة الدسائس من حولهم وقد ينجم عن ذلك إسقاطهم على أيدي مغتصبي العرش أو قيام الثورات ضدهم وإن لم يكن هذا ولا ذاك فإن كلا من الطوائف المختلفة التي تعاون الملك في تصريف أمور الدولة تعمل على زيادة نفوذها والإكثار من الامتيازات التي تتمتع بها وتسوء أحوال الدولة ويعم فيها الفساد.