الجهد والمساحة اللازمين. واستعملت هذه الكتابة الجديدة المختصرة في كتابة الأدبيات وفي الدواوين وفي المعاملات وما أشبه ذلك، وتعرف هذه باسم الهيراطيقية، ولما تعقدت مطالب الحياة وانتشرت المعاملات التجارية وغيرها وازدهرت الحضارة وتطورت في عهد الدولة الحديثة وما بعدها؛ ظهرت كتابة أخرى مختصرة عن الهيراطيقية وهي شديدة الاختزال، استعملها العامة في معاملاتهم وكتبت بها بعض البرديات القانونية والأدبية، وهذه هي الكتابة الديموطيقية التي ظهرت على الأرجح في بداية العصر المتأخر من مصر الفرعونية، وفي نفس الوقت تقريبًا أو بعده بقليل استعمل المصري كتابة جديدة أخرى هي الكتابة القبطية؛ وربما كان ذلك للرغبة في التيسير على الجنود المرتزقة اليونانيين الذين وفدوا بكثرة على البلاد؛ فقد كتبت هذه الكتابة بحروف يونانية مع إضافة سبعة أحرف لاستكمال الهجائية اليونانية بما يفي بنطق سائر الأصوات السامية، وبالطبع يعتبر إطلاق لفظ اللغة القبطية على هذه الكتابة تجاوزًا، فهي لغة مصرية كتبت بحروف يونانية وحروف أخرى أضيفت إليها مع إدخال بعض ألفاظ قليلة من اليونانية.
وعلى إثر ظهور الكتابة تقدمت العلوم والفنون -بالطبع- وظهرت النظريات الفلسفية العميقة في اللاهوت وفي الديانة، كما أن من المرجح أن الكتابة ساعدت أيضًا على اختراع التقويم وإن كان من المحتمل جدًّا بأن المصري قد توصل إلى تقسيم السنة إلى فصول قبل معرفته بالكتابة؛ ولكنه لم يضع الأسس الثابتة لهذا التقسيم إلا بعد أن عرفها، وكانت السنة المصرية تبدأ في التاسع عشر من شهر يوليو أي أن هذا اليوم