وبالفعل قامت بعثة دنمركية أوفدها ملكها سنة ١٧٦١ مكونة من خمسة أعضاء مات رئيسها عند وصوله إلى المخا ميناء اليمن ومات أخصائي النبات بين المخا وصنعاء، واستمر الثلاثة الباقون حتى عادوا إلى المخا متجهين إلى الهند؛ فمات اثنان منهم، ولم يرجع بعد إتمام الرحلة سوى واحد هو نبؤور الذي كان مكلفًا بعمل الخرائط فقط؛ ولكنه أعد جميع الأبحاث والرسوم للنشر.
وكانت نتائج هذه البعثة من أحسن النتائج العلمية التي أمكن الوصول إليها.
وفي سنة ١٨٤٣ قام شاب فرنسي برحلة إلى مأرب ونقل كثيرًا من النقوش السبئية، نشرها القنصل الفرنسي في جدة في سنة ١٨٤٥.
ثم قامت رحلات أخرى بعد ذلك في فترات متباعدة؛ ولكنها جميعًا لا تلقى ضوءًا كافيًا على ما كان في هذه المناطق من حضارة.
ومهما كان الأمر فإن شبه جزيرة العرب لم يكن فيها من التيسيرات التي تسمح للرحالة والعلماء بالتجوال فيها أو الكتابة عنها، واقتصرت الجهود على مناطق محدودة منها، وإذا ما نظرنا إلى الظروف المناخية وما نشاهده من أحوال الطبيعة في الوقت الحاضر يمكننا أن نستنتج أن أهل شبه الجزيرة وإن اتحدوا في صفاتهم الجنسية؛ فإنهم كانوا يختلفون في ظروف معيشتهم بين بقعة وأخرى، ويمكن القول إجمالًا بأن المناطق التي سبقت إلى ميدان الحضارة هي تلك التي جعلت الاستقرار فيها ممكنًا، وبعبارة أخرى؛ فإن مناطق الحضارات القديمة يمكن تتبعها في الأطراف الجنوبية والشمالية لشبه الجزيرة.