للعامة فاتَّخذت له صورةً ترمز إلى أكثر صفاته وضوحًا، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وعلى هذا لم تكُنْ الحيوانات أو التماثيل التي قدست لِتُقَدَّس على أنها المعبود نفسه؛ وإنما كانت كرمزٍ لصفة معينة في المعبود؛ إلا أن العامة قد أخطئوا فهم المقصود من تلك الرموز وتعبدوا لها. والواقع أنه لا توجد عقليةٌ مهما كانت بدائية تعتبر الحيوان أو الجماد أو حتى الإنسان؛ إلا صورةً أو موضعًا للقوة المقدسة أو الظاهرة المقدسة التي تمثِّلُها، والمصري شأنه في ذلك شأن الشعوب الأخرى؛ أراد أن يتقرب إلى تلك القوى المقدسة، ووجد أن أحسن وسيلة هي اختيار ما يمثل تلك القوة في عالمه المادي، ولكن مع الأسف حدث -كما يحدث في كل العصور- أن اتَّخذَت الطوائف الدنيا من الشعب تلك التشبيهات بحرفيتها فعبدت الصورةَ المختارةَ نفسهَا من هذا العالم المادي.
وبالطبع كان كل إقليم يحاول جاهدًا أن يجعل لإلهه المحلي دورًا مهمًّا فحاك حوله الأساطير التي تبرز هذه الأهمية وعوملت الآلهة في هذه الأساطير كالإنسان؛ فصارت محببة لدى الشعب، وخضع الدين الرسمي لهذه الأساطير لما لها من سيطرة على النفوس.
ولا ريب في أن المصري كان يتساءل عن كنه المخلوقات والظواهر الطبيعية التي من حوله وعن كيفية نشأتها ووجودها وبهذا تدرج إلى التفكير في مشكلة الخلق، ثم تساءل عن المشكلة الكبرى وهي مشكلة نشأة العالم المحيط به، ولم يطل به التفكير كثيرًا حتى اهتدى بخياله إلى تكوين فكرة اتخذ عناصرها من البيئة المحيطة به فتمثل في الفيضان ماء أزليًّا أطلق عليه اسم "نون"، وقد دعاه إلى هذا التفكير أن الفيضان تستمر مياهه