للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العظيم١، وقال الإمام القاضي عياض في "الشفاء"، وما ذكره أهل الأخبار، ونقله المفسرون في قصة هاروت وماروت: لم يرد فيه شيء لا سقيم٢، ولا صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هو شيئًا يؤخذ بالقياس.

وكذلك: حكم بوضع المرفوع من هذه القصة: الحافظ: عماد الدين ابن كثير، وأما ما ليس مرفوعا: فبين أن منشأة روايات إسرائيلية عن كعب وغيره، ألصقها زنادقة أهل الكتاب بالإسلام، قال رحمه الله في تفسيره بعد أن تكلم على الأحاديث الواردة في هاروت وماروت، وأن روايات الرفع غريبة جدا، وأقرب ما يكون في ذلك أنه من رواية عبد الله بن عمر، عن كعب الأحبار، كما قال عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله بن ابن عمر، عن كعب، ورفع مثل هذه الإسرائيليات إلى النبي كذب واختلاق ألصقه زنادقة أهل الكتاب، زورا وبهتانا" وذكر مثل ذلك في البداية والنهاية٣.

أقول: وهذا الذي قاله العلامة ابن كثير هو: الحق الذي لا ينبغي أن يقال غيره. وليس أدل على هذا من أن ابن جرير رواها بالسند الذي ذكره ابن كثير، وبغيره عن ابن عمر، عن كعب الأحبار٤، ولكن بعض الرواة غلطا، أو سوء نية، رفعها ونسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا ردها المحققون من المفسرين الذين مهروا في معرفة أصول الدين، وأبت عقولهم أن تقبل هذه الخرافات: كالإمام الرازي، وأبي حيان، وأبي السعود، والآلوسي،

ثم هذه من ناحية العقل غير مسلمة، فالملائكة معصومون عن مثل هذه الكبائر، التي لا تصدر من عربيد، وقد أخبر الله عنهم بأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، كما ورد في بعض الروايات التي أشرت إليها آنفا رد لكلام الله، وفي رواية أخرى: أن الله قال لهما: لو ابتليتكما بما ابتليت به بني آدم لعصيتماني، فقالا: لو فعلت بنا


١ روح المعاني ج١ ص ٣٤١.
٢ لعله أراد به الضعيف، واعتبر ما روى مرفوعا ساقطا عن الاعتبار.
٣ البداية والنهاية ج ١ ص ٣٧.
٤ تفسير الطبري ج ١ ص ٣٦٣.

<<  <   >  >>