للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ظاهر جدًّا في أن المبشر به غير الأول، بل هو كالنص فيه، وغير معقول في أفصح الكلام وأبلغه أن يبشر بإسحاق بعد قصة يكون فيها هو الذبيح، فتعين أن يكون الذبيح غيره.

وأيضا: فلا ريب أن الذبيح كان بمكة، ولذلك جعلت القرابين يوم النحر بها، كما جعل السعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار؛ تذكيرًا لشأن إسماعيل وأمه، وإقامته لذكر الله، ومعلوم أن إسماعيل وأمه هما اللذان كانا بمكة دون إسحاق وأمه ...

ولو كان الذبح بالشام كما يزعم أهل الكتاب لكانت القرابين والنحر بالشام، لا بمكة، وأيضا فإن الله سبحانه سمى الذبيح حليما؛ لأنه لا أحلم ممن أسلم نفسه للذبح طاعة لربه، ولما ذكر إسحاق سماه عليما: {قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيم} ١. وهذا إسحاق بلا ريب؛ لأنه من امرأته وهي المبشرة به، وأما إسماعيل فمن السرية٢، وأيضا فلأنهما بشرا به على الكبر واليأس من الولد، فكان ابتلاؤهما بذبحه أمرا بعيدا، وأما إسماعيل فإنه ولد قبل ذلك.... إلى آخر ما قال٣.

دلالة الآثار على أن الذبيح إسماعيل:

وكذلك دلت بعض الأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين على أن الذبيح إسماعيل، روى الحاكم في المستدرك وابن جرير في تفسيره بسنده، وغيرهما، عن عبد الله بن سعيد الصنابجي، قال: حضرنا مجلس معاوية، فتذاكر القوم إسماعيل، وإسحاق أيهما الذبيح؟ فقال بعضهم: إسماعيل، وقال البعض: إسحاق، فقال معاوية: على الخبير سقطتم، كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابي، فقال: يا رسول الله خلفت الكلأ يابسا، والمال عابسا٤، هلك العيال، وضاع المال، فعد علي مما أفاء الله تعالى عليك يا ابن الذبيحين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه فقال القوم: من الذبيحان يا أمير المؤمنين؟ فقال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر الله إن سهل أمرها أن ينحر بعض بنيه، فلما فرغ أسهم بينهم، فكانوا عشرة، فخرج السهم


١ الذاريات: ٢٨.
٢ أي: الجارية.
٣ زاد المعاد ج١ ص ٢٨-٣٠.
٤ المراد به: الحياة، أي: عابسا من شدة الجوع، والعطش.

<<  <   >  >>