للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد دلت أحاديث كثيرة على تحريم الصلاة إلى القبور، أو اتخاذها عيدا، ومن ذلك:

١- ما رواه أبو مرثد الغنوي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا إليها" ١؛ ففيه تصريح بالنهي عن الصلاة إلى قبر. قال الشافعي رحمه الله: وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس٢.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معلقا على هذا الحديث: فلا يجوز أن يصلي إلى شيء من القبور؛ لا قبور الأنبياء ولا غيرهم، لهذا الحديث الصحيح، ولا خلاف بين المسلمين أنه لا يشرع أن يقصد الصلاة إلى القبر، بل هذا من البدع المحدثة، وكذلك قصد شيء من القبور لا سيما قبور الأنبياء والصالحين عند الدعاء. وإذا لم يجز قصد استقباله عند الدعاء لله تعالى، فدعاء الميت نفسه أولى أن لا يجوز، كما أنه لا يجوز أن يصلي مستقبله، فلأن لا يجوز الصلاة له بطريق الأولى٣.

٢- ما رواه أبو هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم" ٤.

فإذا كان هذا في حق قبره صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل قبر على وجه الأرض، فكيف بقبر غيره من البشر. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معلقا على هذا الحديث:

"ووجه الدلالة: أن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الرض. وقد نهى عن اتخاذه عيدا. فقبر غيره أولى بالنهي كائنا من كان، ثم إنه قرن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تتخذوا بيوتكم قبورا": أي لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور. فأمر بتحري العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عند القبور٥.


١ صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه.
٢ شرح النووي على صحيح مسلم ٧/ ٣٨.
٣ قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية ص٢٩٤-٢٩٥.
٤ أخرجه افمام أحمد في المسند ٢/ ٣٦٧. وابو داود في السنن، كتاب المناسك، باب زيارة القبور.
وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ١/ ٣٨٣.
٥ اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ٢/ ٦٥٧.

<<  <   >  >>