للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(ومع هذا) المقرر من جواز العمل بالضعيف في الفضائل إجماعًا (فليس اعتمادي على هذا الحديث) وحده حتى يرد عليَّ الإشكال السابق (بل على قوله صلى اللَّه عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة: "لِيبلغِ الشاهدُ منكمُ الغائبَ") أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" في خطبته في حجة الوداع (١)، وأخرجه ابن منده في "مستخرجه" عن ثمانية عشر صحابيًا.

(وقوله صلى اللَّه عليه وسلم): "بلِّغوا عنِّي ولو آية" (٢)، وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: (نضَّر اللَّه) بتخفيف الضاد المعجمة، ورجَّحه بعضهم، وعليه جرى الروياني من أصحابنا في "بحره" (٣) -وبتشديدها قال المصنف رحمه اللَّه تعالى، وهو الأكثر (٤) - وفيه أيضًا: (أنضر) من النضارة؛ وهي: حُسْن الوجه وبريقُه، فهو على حدِّ قوله تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ}.

ومن ثَمَّ قال بعضهم: إني لأرى في وجوه أهل الحديث -وعبَّر بعضهم بأهل العلم- نضرةً وجمالًا (٥) لهذا الحديث، يعني: إنها دعوةٌ أُجيبتْ (٦).


(١) صحيح البخاري (١٠٥)، وصحيح مسلم (١٦٧٩) عن سيدنا أبي بكرة رضي اللَّه عنه. وفي "الفتوحات الوهبية" (ص ٤٠): (وهذا تحريض على التعليم والتعلم؛ فإنه لولاه. . لانقطع العلم بين الناس).
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٦١)، وابن حبان (٦٢٥٦)، والترمذي (٢٦٦٩) عن سيدنا عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما.
(٣) حيث قال في "بحر المذهب" (١/ ٢٠): (يقال: "نضر اللَّه" بالتخفيف والتثقيل، وأجودهما التخفيف).
(٤) ضبطها المصنف رحمه اللَّه تعالى في آخر "الأربعين" في باب سماه: (باب الإشارات إلى ضبط الألفاظ المشكلات) انظر (ص ٦٤٠) آخر هذا الكتاب.
(٥) ومن نظم الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه اللَّه تعالى في فن الحديث: (من الكامل)
مَنْ كانَ من أهلِ الحديثِ فإنَّهُ ... ذو نضرةٍ في وجهه نورٌ سطَعْ
إنَّ النبيَّ دعا بنضرةِ وجهِ مَنْ ... أدَّى الحديثَ كما تحمَّل واتَّبعْ
ومن نظمه أيضًا: (من الكامل)
أهلُ الحديثِ لهم مفاخرُ ظاهرةْ ... وهمُ نجومٌ في البريَّةِ زاهرةْ
في أيِّ مصرٍ قد ثَوَوْا تلقاهُمُ ... حقًا لأعداءِ الشريعةِ قاهرةْ
بالنُّورِ قد مُلئتْ حشاشةُ صدرهِمْ ... فكذا وجوهُهُم تراها ناضرةْ
(٦) وخُصَّ حامل السنة بالدعاء؛ لأنه سعى في نضارتها وتجديدها، فجازاه اللَّه تعالى في دعائه بما يناسب جماله، وذكر سيدي محمد الشاذلي رحمه اللَّه في كتابه "البيان" ما نصه: (اخُتصَّ أهل الحديث من دون سائر العلماء بأنهم لا تزال وجوههم نضرة؛ لدعوة النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم لهم بقوله: "نضر اللَّه. . . إلخ"، =

<<  <   >  >>