للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فهجرته إلى ما هاجر إليه) عبر بـ (إلى) هنا وبـ (اللام) ثَمَّ؛ ليفيد أن من كانت هجرته لأجل تحصيل ذلك. . كان هو نهاية هجرته، لا يحصل له غيره، وإنما اتحد الشرط والجزاء لفظًا ثَمَّ (١) -تبركًا بذكر اللَّه ورسوله، وتعظيمًا لهما بتكراره، ولكونه أبلغ في الهجرة إليهما؛ إذ من يسعى لخدمة ملكٍ تعظيمًا له أَجْزلُ عطاءً ممَّن يسعى لينال كسرةً من مأدبته- لا هنا (٢)؛ إظهارًا لعدم الاحتفال بأمرهما، وتنبيهًا على أن العدول عن ذكرهما أبلغ في الزجر عن قصدهما، فكأنه قال: إلى ما هاجر إليه، وهو حقيرٌ مهينٌ لا يجدي.

ولأن ذكرهما يستحلى عند العامة، فلو كرر. . ربما عَلِقَ بقلب بعضهم، فيهش له ويرضى به، ويظنه العيش الكامل، فضرب عنهما صفحًا؛ لإزالة هذا المحذور، وذَمُّ قاصد إحداهما (٣) -وإن قصد مباحا- لأنه خرج لطلب فضيلة الهجرة ظاهرًا، وأبطن خلافه؛ فلذلك توجَّه عليه الذم، وأيضًا: أغراض الدنيا لا تنحصر (٤)، فأتى بما يشملها، وهو ما هاجر إليه، بخلاف الهجرة إلى اللَّه ورسوله؛ فإنه لا تعدُّدَ فيها، فأُعيدا بلفظهما تنبيهًا على ذلك.

[فائدة [تأثير الرياء على ثواب الأعمال]]

العمل إما رياء محض (٥)؛ بأن يراد به غرضٌ دنيويٌّ فقط ولو مباحًا، فهو حرامٌ لا ثواب فيه، وإما مشوب برياءٍ ولا ثواب فيه أيضًا، للخبر الصحيح: "من عمل عملًا أشرك فيه غيري. . فانا منه بريءٌ، هو للذي أشرك" (٦) وحَمْلُ الغزاليِّ الإشراكَ


(١) أي: في قوله: "فمن كانت هجرته إلى اللَّه ورسوله. . . ".
(٢) أي: في قوله: "ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها. . . ".
(٣) كلامٌ إضافيٌّ مبتدأ، خبره قوله: (لأنه خرج ... إلخ) اهـ "مدابغي"
(٤) قوله: (وأيضًا) عطف على قوله: (إظهارًا لعدم الاحتفال. . . إلخ) اهـ "مدابغي"
(٥) أي: العمل غير الخالص للَّه تعالى. (محمد طاهر) اهـ هامش (غ)
(٦) أخرجه ابن ماجه (٤٢٠٢)، والإمام أحمد (٢/ ٤٣٥)، والطبراني في "الأوسط" (٦٥٢٥) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه.

<<  <   >  >>