للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه على المساواة محله في إشراك دنيوي لا رياء فيه (١)، على أن هذا لا يؤثر في منع الثواب مطلقًا؛ كما يدل عليه نص الشافعي والأصحاب: أن من حج بنية التجارة. . كان له ثوابٌ بقدر قصده الحج، كما بيَّنتُ ذلك مع هذه المسألة بما لم أُسبق إليه في "حاشيتي" على "إيضاح المصنف في المناسك" (٢)، فعلم أن من قصد بجهاده إعلاء كلمة اللَّه تعالى ونيل نحو غنيمة. . نقص أجره، ولم يبطل؛ لخبر مسلم: "إن الغزاة إن غنموا. . تعجَّلوا ثلثي أجرهم، وإلَّا. . تمَّ لهم أجرهم" (٣).

وبه يتبيَّن حمل الأحاديث الكثيرة المصرِّحة بأن إرادة المجاهد الدنيا تُحبط أجره على ما إذا تمحَّض الجهاد للدنيا، ومن عقد عملًا للَّه ثم طرأ له خاطرُ رياءٍ؛ فإن دفعه. . لم يضر إجماعًا، وإن استرسل معه. . ففيه خلاف، والذي رجَّحه أحمد وجماعةٌ من السلف ثوابه بنيته الأولى، ومحله: في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والحج، دون نحو القراءة، ففيه لا أجر فيما بعد حدوث الرياء.

ولو تمَّ عمله خالصًا فأُثني عليه ففرح. . لم يضر؛ لخبر مسلم: "تلك عاجل بشرى المسلم" (٤).

(رواه إماما المحدثين) ورعًا وزهدًا واجتهادًا في تخريج الصحيح وإيداعه -دون غيره- كتابيهما، حتى ائْتمَّ بهما في ذلك الأئمة الذين حذوا حذوهما.


(١) انظر "إحياء علوم الدين" (٤/ ٣٨٤ - ٣٨٥). قوله: (وحمل الغزالي. . . إلخ) حاصله: أن الشخص إذا أوقع عبادةً وشرك فيها بين دينيٍّ ودينونيٍّ. . فالذي رجَّحه ابن عبد السلام: أنه لا ثواب له مطلقًا عملًا بظاهر الخبر، واختار الغزالي اعتبار الباعث على العمل، قال: فإن كان الأغلب قصد الديني. . فله أجرٌ بقدره، أو الدنيوي أو تساويا. . فلا أجر له، وحمل الخبر على ما إذا غلب قصد الدنيوي أو تساويا، وظاهره: أن الحكم كذلك وإن وجد هناك رياء، مع أنه متى وُجِد في العبادة رياءٌ. . أحبط ثوابها وإن قلَّ الرياء، فإطلاقه ليس مسلَّمًا؛ ولهذا اعترض عليه الشارح، وحمل كلامه على ما إذا لم يكن المخالط الآخر رياءً؛ كما لو حج ناويًا مع حجه التجارة، أو المتوضئ ناويًا التبرُّدَ أو التنظُّفَ، ثم إن الشمس الرملي رحمه اللَّه اعتمد كلام الغزالي مع الحمل المذكور، والشارح رحمه اللَّه لم يعتمده، بل اعتمد أنه إذا لم يكن رياء. . يثاب بقدر قصد الديني وإن قلَّ؛ ولهذا استدرك عليه بقوله: "على أن هذا لا يؤثر. . . إلخ" اهـ "مدابغي"
(٢) انظر حاشية المؤلف المسماة: "منح الفتاح شرح حقائق الإيضاح" (ص ٤٠ - ٤١).
(٣) صحيح مسلم (١٩٠٦) عن سيدنا عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنهما.
(٤) صحيح مسلم (٢٦٤٢) عن سيدنا أبي ذر رضي اللَّه عنه.

<<  <   >  >>