للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(اللذين هما أصح الكتب) بلا شكٍّ ولا مرية، كما أطبق عليه مَنْ بعدهما سيما المحدثون، حيث جعلوا الصحيح سبعة أقسام: ما اتفقا عليه، فما انفرد به البخاري، فمسلم، فما على شرطهما (١)، فما على شرط البخاري، فمسلم، فما صححه معتبرٌ وسَلِمَ عن المعارض.

وقول الشافعي رضي اللَّه تعالى عنه: (لا أعلم كتابًا بعد كتاب اللَّه تعالى أصح من "موطأ مالك" رضي اللَّه تعالى عنه) (٢) إنما كان قبل ظهورهما، فلما ظهرا. . كانا بذلك أحق وأولى.

وللأئمة اختلافٌ طويلٌ في الترجيح بينهما، فالجمهور على أن ما أسنده البخاري في "صحيحه" -دون التعاليق والتراجم (٣)، وأقوال الصحابة والتابعين- أصح مما في "مسلم" لأنه كان أعلم منه بالفن اتفاقًا، مع كونه تلميذه وخِريجه، ومن ثَمَّ قال الدارقطني: (لولاه. . ما راح مسلمٌ ولا جاء) (٤).

وهذا وإن لم يلزم منه أرجحية المصنَّف، إلا أنها الأصل، وبعض المغاربة يعكس، ونقل عن ابن حزم، وعن أبي علي النيسابوري شيخ الحاكم، وعلَّله بعضهم بأنه ليس فيه بعد الخطبة غير الحديث السرد، وهو غير مجدٍ؛ إذ لا ارتباط لذلك بالأصحِّيَّة التي الكلام فيها على أن قول أبي علي: (ما تحت أديم السماء كتابٌ أصح من "كتاب مسلم") (٥) ليس صريحًا في أصحيته على "البخاري"؛ لصدقه


(١) أقول: المراد بشرطهما: الرجالُ الذين اتفقا في الرواية عنهم، وشرط البخاري من انفرد بالرواية عنهم البخاري، وأما ما اشتهر من أن المراد بشرط البخاري ما هو معروفٌ عنه من اللُّقي والمعاصرة، وشرط مسلمٍ المعاصرة دون اللُّقي. . فلا تصح إرادته هنا؛ لأن شرطهما حينئذٍ متباينان، فيفوت قولهم في بعض الأحاديث: إنه على شرط الشيخين، وبعضها على شرط مسلم. اهـ هامش (غ)
(٢) أخرجه الخطيب في "الجامع" (١٦١٨)، وابن عبد البر في "التمهيد" (١/ ٧٧).
(٣) التعاليق -جمع تعليق-: وهو حذف أول السند ولو إلى آخره مع صيغة الجزم. اهـ "مدابغي"
والتراجم: ما يذكر بعد لفظ (باب) أو (كتاب) بأن يقال: باب كذا، أو كتاب كذا، كما قال البخاري: (باب إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه فرضي) وساق بعده قصة الثلاثة الذين أَوَوا إلى كهفٍ فانحطت صخرةٌ وسدَّتْ بابه، فدعا كلٌّ بخالص عمله، فخرَّج عنهم بإسنادها مثلًا. فحرر غفر اللَّه لنا ولأساتيذنا؛ فإنه مما تنبهت عليه بقول العالم الكبير قربان علي الخرشي. (محمد طاهر) اهـ هامش (غ)
(٤) أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (١٣/ ١٠٣).
(٥) أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (١٣/ ١٠٢)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (١٤/ ٢٧٤).

<<  <   >  >>