للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قصرهما على انقيادٍ وتصديقٍ مخصوصٍ، فهو نظير جعلِ العربِ الدابةَ لغةً: لكل ما دبَّ على وجه الأرض، ثم خصَّصها عُرْفُهم بذوات الأربع.

واعلم: أن مسائل الإيمان والإسلام والكفر والنفاق عظيمةٌ جدًّا، فيتعين على كل أحدٍ الاعتناءُ بتحقيقها؛ فإن اللَّه سبحانه وتعالى علَّق بها السعادة والشقاوة، والاختلافُ في مسمياتها أولُ اختلافٍ وقع في هذه الأمة بين الصحابة والخوارج المكفرين لعصاة الموحدين، ثم حدث خلاف المعتزلة وقولهم: إن مرتكب الكبيرة لا مؤمنٌ ولا كافرٌ، فيخلد في النار (١)، ثم خلاف المرجئة وقولهم: إن الفاسق كامل الإيمان.

وهنا مسائل تتعلق بالإيمان، وتمس الحاجة إلى معرفتها، وهي أربع:

الأولى: في قبوله الزيادة والنقص، أنكرهما أبو حنيفة وأتباعه، واختاره من الأشاعرة إمام الحرمين وآخرون، قال المصنف رحمه اللَّه تعالى: (وعليه أكثر المتكلمين) وأثبتهما جمهور الأشاعرة؛ قال المصنف: (وهو مذهب السلف والمحدثين) (٢).

قال الفخر الرازي وغيره: والخلاف مبنيٌّ على أن الطاعة إن أخذت في مفهومه. . قبلهما، وإلَّا. . فلا؛ لأنه اسمٌ للتصديق الجازم مع الإذعان، وهذا لا يتغير بضم طاعةٍ ولا معصيةٍ إليه.

ورُدَّ: بأن القائلين بهما معترفون بأنه مجرد التصديق، وحمَلَهُم على ذلك ظواهرُ الكتاب والسنة؛ نحو: {زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}، {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا}، وغير ذلك مما ذكره


(١) قوله: (ثم حدث خلاف المعتزلة. . . إلخ) فإن قيل: فما الفرق بين قول الخوارج وقول المعتزلة في هذه المسألة؛ حيث إن كلًّا من الفريقين يقول بتخليد مرتكب الكبيرة في النار؟ قلنا: الفرق أن المعتزلة يقولون: هو مخلَّدٌ في النار لكن يعذب عذابًا دون عذاب الكفر، والخوارج حكموا بكفره وتعذيبه عذاب الكفار؛ لأنهم يقولون: يخرج من الإيمان ويدخل في الكفر، والمعتزلة يقولون: يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر، فتأمل. اهـ هامش (غ)
(٢) انظر "شرح صحيح مسلم" (١/ ١٤٨). وحاصلها: أنه اختلف في الإيمان هل يزيد وينقص أم لا؟ على أقوال؛ فقيل: لا يزيد ولا ينقص، وقيل: يزيد وينقص بناءً على أن الأعمال داخلة فيه فيقبل ذلك بحسبها، وقيل: نفس التصديق يقبل الزيادة قوةً وضعفًا، وقيل: زيادة هي دوام حضوره بتوالي أشخاصه، والخلاف في إيمان غير الأنبياء والملائكة، أما هم. . فإيمانهم لا يقبل النقص. . . إلخ. اهـ "مدابغي"

<<  <   >  >>