للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في لسانٍ أو قلبٍ أو مصحفٍ ولو مع إرادة اللفظ؛ لئلا يسبق الوهم إلى إرادة النفسي القديم.

ثم ما مر من القول بعدم خلق الإيمان لم ينفرد به الحنفية، بل نقله الأشعري عن أحمد وجماعةٍ من أهل الحديث ومال إليه، لكن وجَّهه بغير ما مر، وهو أن المراد بالإيمان حينئذٍ: ما دلَّ عليه وصفُه تعالى بالمؤمن، فإيمانه هو تصديقه في الأزل بكلامه القديم لإخباره بوحدانيته، وليس تصديقه هذا محدثًا ولا مخلوقًا، تعالى أن يقوم به حادث؛ بخلاف تصديقه لرسله بإظهار المعجزة، فإنه من صفات الأفعال، وهي حادثةٌ عند الأشاعرة، قديمةٌ عند الماتريدية.

وبذلك علم أنه لا خلاف في الحقيقة؛ لأنه إن أُريد بالإيمان المكلف به. . فهو مخلوقٌ قطعًا، أو ما دل عليه وصفه سبحانه وتعالى بالمؤمن. . فهو غير مخلوقٍ قطعًا.

الثالثة: منع جماعةٌ منهم أبو حنيفة وأصحابه: أنا مؤمنٌ إن شاء اللَّه، وإنما يقال: أنا مؤمن حقًّا، وأجازه آخرون (١).

قال السبكي: (وهم أكثر السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، والشافعية والمالكية والحنابلة، ومن المتكلمين الأشعرية والكُلَّابية (٢)، وهو قول سفيان الثوري) اهـ (٣)


(١) قال الشيخ الشبرخيتي رحمه اللَّه تعالى في "الفتوحات الوهبية" (ص ١٠٠): يجوز عند الأشاعرة أن يقال: أنا مؤمنٌ إن شاء اللَّه؛ نظرًا للمآل، وهو مجهول الحصول في المستقبل، ووافقهم الشافعي على ذلك، ولا يجوز ذلك عند الماتريدية؛ نظرًا للحال، ووافقهم إمامنا مالك والأمام أبو حنيفة وأحمد؛ لأن الإيمان يجب فيه الجزم، ولا جزم مع التعليق، وقال ابن عبدوس -من أتباع مالك- بوجوب التعليق؛ لما في تركه من الجزم الذي فيه تزكية النفس، وقد قال تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}، وقد نظم ذلك بعض شيوخنا مع زياده فقال: [من الرجز]
من قال إني مؤمنٌ يمنعُ مِنْ ... مقاله: إن شاء ربي يا فطِنْ
وذا لمالكٍ وبعض تابعيهْ ... يوجب أن يقول هذا يا نبيهْ
ومثل ما لمالكٍ للحنفي ... والشافعي جَوَّزَ هذا فاعرفِ
وامنعه إجماعًا إذا أراد بهْ ... أَلشكَّ في إيمانه يا منتبهْ
كعدمِ المنعِ إذا به يُرادْ ... تبركٌ بذكرِ خالقِ العبادْ
فالخُلفُ حيثُ لم يردْ شكًا ولا ... تبرُّكًا فكُنْ بذا محتفلا
(٢) الكُلَّابية -بضم الكاف وبالموحدة-: نسبة إلى سعيد بن كُلاب، أحد مشايخ أهل السنة، أقدم من الشيخ أبي الحسن الأشعري. اهـ هامش (ب)
(٣) فتاوى السبكي (١/ ٥٣).

<<  <   >  >>