للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعنى: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} بعد قوله: {بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} أي: يا أيها الذي اسمه يحيى.

ثم المغايرة بينهما ذاتيةٌ، فالاسم: الموضوع للذات تعريفًا أو تخصيصًا، والمسمَّى: الموضوع له، والتسمية: الوضع، والمسمِّي -بكسر الميم-: الواضع، والوضع: تخصيص لفظٍ بمعنًى بحيث إذا أُطلق ذلك اللفظ. . فُهم ذلك المعنى.

(قال: فأخبرني عن الساعة) (١) أي: عن زمن وجود يوم القيامة، سُمِّي بها مع طول زمنه اعتبارًا بأول أزمنته؛ فإنها تقوم بغتةً في ساعة، حتى إن من تناول لقمةً لا يمهل حتى يبتلعها: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا}.

وهي لغة: قطعةُ زمنٍ غير معينٍ ولا محدودٍ، وفي اصطلاح المؤقتِين ونحوهم: جزءٌ من أربعةٍ وعشرين جزءًا من الليل والنهار.

(قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) أي: بل كلانا سواء في عدم علم زمن وجودها: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}، {إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا}، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} الآيات.

وفي "الصحيح": "مفاتيح الغيب خمسٌ لا يعلمهنَّ إلا اللَّه" وتلا: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآيةَ (٢)، وروى أحمد "أُوتيت مفاتيح كل شيءٍ إلا الخمس: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآيةَ (٣).

ففيه أنه ينبغي للمفتي والعالم وغيرهما إذا سُئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، وأن ذلك لا ينقصه، بل يُستدل به على ورعه وتقواه ووفور علمه، ومن ثَمَّ قال علي كرم اللَّه وجهه: (وابَرْدها على كبدي؛ إذا سئلتُ عما لا أعلم أن أقول: لا أعلم) (٤).


(١) قوله: (قال: فأخبرني عن الساعة) وإنما سأل جبريل عن وقت الساعة مع علمه أن أحدًا لا يطلع عليه؛ لينبِّه الناس عن قطع أطماعهم عن التلفت إلى الاطلاع عليها. اهـ "مدابغي"
(٢) صحيح البخاري (٤٧٧٨) و (١/ ٣٧٩) عن سيدنا ابن عمر رضي اللَّه عنهما. وفي "شرح الجوهرة" للقاني ما نصه بعد كلام يتعلق بذلك: والحق -كما قاله جمعٌ- أن اللَّه تعالى لم يقبضه عليه الصلاة والسلام حتى أطلعه على كل ما أبهمه عنه، إلا أنه أمره بكتم بعضٍ، والإعلام ببعض. اهـ هامش (أ).
(٣) مسند الإمام أحمد (٢/ ٨٥) عن سيدنا ابن عمر رضي اللَّه عنهما.
(٤) أخرجه الدارمي في "سننه" (١٨١)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٤٢/ ٥١٠). وقوله: (وابردها): =

<<  <   >  >>