تصويرًا خفيًا، ثم يُرسل في مدة المضغة أو بعدها على ما مر، فيصورها تصويرًا ظاهرًا مقارنًا لخلق عظمها ونحوه، فتأمل ذلك؛ فإني لم أَرَ من صرح به، مع أن الجمع لا يتمُّ إلَّا به.
أو يقال: إن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمنهم من يصور بعد الأربعين الأُولى، ومنهم من لا يصور إلا في الأربعين الثالثة أو بعدها.
ثم رأيت في روايةٍ لمسلم ما يدفع الجمع الأول وهي:"إذا مرَّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة. . بعث إليها ملَكًا، فصورها، وخلق سمعها وبصرها ولحمها وعظامها، ثم يقول: يا رب؛ أذكرٌ أم أنثى؟ فيقضي ربك بما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب؛ أجله، فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب؛ رزقه، فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده، فلا يزيد ولا ينقص"(١)؛ ففيها التصريح بأنَّ خلق العظم يكون عقب الأربعين الأُولى، فإنْ حملنا خلقه هنا على ابتدائه، وبعد الأربعين الثالثة على تمامه. . أمكن ما ذكرناه من الجمع الأول، وإلَّا. . تعيَّن الجمع الثاني.
ثم رأيت بعضهم ذكر ما يؤيد ما ذكرته من الجمعين، حيث قال بعد رواية مسلم المذكورة: فأوَّلَها بعضهم على أن الملك يقسم النطفة إذا صارت علقةً إلى أجزاء، فيجعل بعضها للجلد، وبعضها للَّحم، وبعضها للعظم، فيقدر ذلك كله قبل وجوده، وهذا خلاف ظاهر الحديث، بل ظاهره: أنه يصورها ويخلق هذه الأجزاء كلها، وقد يكون ذلك بتصويره وتقسيمه قبل وجود اللحم والعظام، وقد يكون هذا في بعض الأجنَّة دون بعضٍ.
ومرت رواية في تفسير الجمع تقتضي أن التصوير يكون يوم السابع، وهو مذهب الأطباء؛ لتصريحهم بأن المني إذا نزل الرحم. . أزبد وأرغى ستةَ أيامٍ أو سبعة، وفيها يصور من غير استمدادٍ من الرحم، ثم يستمد منه، وتبتدأ خطوطه ونقطه بعد ثلاثة أيَّام، ثم بعد ستة أيَّام -وهو خامسَ عشرَ العلوق- ينفذ الدم إلى الجميع، فيصير