للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله لزوجته سودة رضي اللَّه تعالى عنها لمَّا اختصم أخوها عبد وسعد بن أبي وقاص في ابنِ وليدةِ أبيها زمعة (١)، فألحقه صلى اللَّه عليه وسلم بأبيها بحكم الفراش، ولكنه رأى فيه شبهًا بيِّنًا بعتبة أخي سعد: "احتجبي منه يا سودة" (٢).

قال جمهور العلماء: الإفتاء الأول تحرزٌ عن الشبهة، وحثٌّ على الأحوط؛ خوفًا من الوقوع في فرجٍ محرمٍ بتقدير صدق المرضعة، لا تحريمٌ صِرْفٌ؛ للإجماع على أن شهادة امرأةٍ واحدةٍ غيرُ كافيةٍ في مثل ذلك، والثاني كذلك؛ لأنه حكم بأنه أخوها، فأَمْرُها بالاحتجاب منه مجردُ احتياط؛ نظرًا إلى ما فيه من الشَّبَهِ البيِّنِ بعتبة، المقتضي كونَهُ أجنبيًا عنها، وهذا مُؤْذِنٌ بأنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يعلم باطن الأمر، وإلَّا. . لما أمرها بذلك، ودالٌّ على أنه ينبغي للمفتي أن يجيب بالاحتياط في النوازل المحتملة للتحريم والتحليل؛ لاشتباه أسبابها عليه وإن علم حكمها يقينًا باعتبار ظاهر الشرع، وممَّن صرَّح بما مر تصويبه (٣) ابنُ المنذر، حيث قال: ما تيقن حرمته وشك في بقاء سبب تحريمه باقٍ على أصل تحريمه، وعكسه في الحلال؛ لخبر: "فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا" (٤).

وما احتملهما ولا مرجح لأحدهما. . الأحسن: التنزه عنه، كما تنزه صلى اللَّه عليه وسلم عن تمرةٍ ساقطةٍ في بيته وقال: "لولا أخشى أن تكون من الصدقة. . لأكلتها" (٥).

وإذا تقرر أن المشتبه مترددٌ بين الحرام والحلال؛ لتعارض سببهما، وتنازع دليلهما، وأن الأَوْلى والأحوط: التنزه عنه خوفًا من الوقوع في الحرام على أحد التقديرين، وعلم أن المشتبهات على قسمين بالنسبة لمن هي مشتبهة عليه (٦)، وعلي


(١) أي: جارية أبيها.
(٢) أخرجه البخاري (٢٠٥٣)، ومسلم (١٤٥٧) عن أم المؤمنين سيدتنا عائشة رضي اللَّه عنها.
(٣) أي: عن الإمام القرطبي رحمه اللَّه تعالى.
(٤) أخرجه البخاري (١٣٧)، ومسلم (٣٦١) عن سيدنا عبد اللَّه بن زيد رضي اللَّه عنه.
(٥) أخرجه البخاري (٢٠٥٥)، ومسلم (١٠٧١) عن سيدنا أنس رضي اللَّه عنه.
(٦) المتقي منها للاشتباه، والواقع فيها مع الاشتباه. (عردي) اهـ هامش (غ)

<<  <   >  >>