للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا بان أن صلاح القلب أعظم المصالح، وفساده أشد المفاسد. . فلا بد من معرفة ما به صلاحه ليطلب، وما به فساده ليجتنب، فالذي به صلاحه: علوم؛ وهي: العلم باللَّه تعالى، وصفاته، وأسمائه، وتصديق رسله فيما جاؤوا به مع العلم بأحكامه ومراده منها، والعلم بمساعي القلوب من خواطرها، وهمومها، ومحمود أوصافها ومذمومها.

وأعمال؛ وهي: تحلِّيه بمحمودِ تلك الأوصاف، وتخلِّيه عن مذمومها، ومنازلته للمقامات، وترقِّيه عن مفضول المنازلات.

وأحوال؛ وهي: مراقبة اللَّه تعالى أو شهوده بحسب تهيئه واستعداده، كما مر في شرح قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "أن تعبد اللَّه كأنك تراه" (١)، وتفصيل ذلك في كتب العارفين كـ"الإحياء" و"قوت القلوب" فاطلبه؛ فإنه مهمٌّ.

قيل: وممَّا يصلحه تدبُّر القرآن، وخلو الجوف، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين (٢)، ورأسُ ذلك الأعظمُ: تحرِّي أكل الحلال، واجتناب الشبهات؛ فإنها تورثه قسوةً وظُلمةً، وتجره إلى الحرام كما مر، وقد قال صلى اللَّه عليه وسلم فيمن غُذِي بالحرام: "يقول: يا رب، يا رب، فأنَّى يُستجاب لذلك؟! " (٣).

وقال: "كل لحمٍ نبت من سُحتٍ. . فالنار أَولى به" (٤).

وروى الترمذي عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن الرجل لَيُصيب الذنب فيسودّ قلبه، فإن هو تاب. . صقل قلبه" قال: "وهو الران الذي ذكره اللَّه تعالى في كتابه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} " (٥).


(١) انظر ما تقدم (ص ١٧٥) من شرح الحديث الثاني من أحاديث المتن.
(٢) ونظمها بعضهم -كما في "المدابغي"- فقال: (من البسيط)
دواءُ قلبك خمسٌ عند قسوتِهِ ... فدُمْ عليها تفز بالخير والظفرِ
خلاء بطنٍ وقرآن تدبّرهُ ... كذا تضرُّعُ باكٍ ساعة السحرِ
كذا قيامك جنح الليل أوسطه ... وأن تجالسَ أهلَ الخيرِ والخبرِ
(٣) أخرجه مسلم (١٠١٥)، والترمذي (٢٩٨٩)، والإمام أحمد (٢/ ٣٢٨) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٤) أخرجه الطبراني في "الكبير" (١٩/ ١٣٥) عن عاصم العدوي رحمه اللَّه تعالى مرسلًا.
(٥) الترمذي (٣٣٣٤).

<<  <   >  >>