للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس في الأحاديث الثلاثة ذكر الصوم والحج، مع ذكرهما في حديث جبريل السابق والذي بعده، فيحتمل أن هذه الثلاثة كانت قبل فرضهما، وحينئذٍ فيُستفاد من ذَينِك الحديثين ضم الصوم والحج إلى ما في هذه الأحاديث، فيُعْطَيان حكمه من المقاتلة عليهما، والعصمة بفعلهما (١)، على أن لك أن تقول: إنهما داخلان في قوله في حديث أبي هريرة: "وبما جئت به" فإنه شاملٌ لذَيْنِك وغيرهما من جميع ما عُلِم من دينه صلى اللَّه عليه وسلم بالضرورة، وبهذا يزول ذلك التكلُّف، ويتضح الأمر.

ثم رأيت المصنف رحمه اللَّه تعالى صرَّح بذلك فقال بعد الثلاثة المذكورة في حديث ابن عمر: (لا بد مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به صلى اللَّه عليه وسلم كما في رواية أبي هريرة: "ويؤمنوا بما جئت به") اهـ (٢)

ويحمل تعميمه على ما ذكرته من المعلوم من الدين بالضرورة (٣)؛ لما مر في بحث الإيمان في حديث جبريل (٤).

وما حكي عن سفيان بن عيينة: أن حديث أبي هريرة كان أول الإسلام قبل فرض الصلاة والصيام والزكاة والهجرة. . يرده أن رواته إنما صحبوه صلى اللَّه عليه وسلم بالمدينة، بل لم يصحبه أبو هريرة إلا في فتح خيبر سنة سبع، على أن قوله: "عصموا مني. . . إلخ" صريحٌ في أنه كان مأمورًا بالقتال، وهو لم يؤمر به إلا بعد وصوله للمدينة وإقامته فيها نحو السنة.

هذا ومن العجب أن حديث ابن عمر هذا الذي ساقه المصنف نصٌّ في قتال مانعي الزكاة ولم يبلِّغه أبا بكر وعمر رضي اللَّه تعالى عنهما مع تشاجرهما في قتالهم واختلاف رأيهما فيه، فاستدل أبو بكر بالحديث الثاني فقال: الزكاة من حقها، وبقياسها على


(١) والمعتمد: أنه لا يُقاتَل على الصوم، وإنما هو يحبس ويمنع المأكل والمشرب، والحج لا يُقاتل عليه؛ لأنه على التراخي. اهـ "مدابغي"
(٢) شرح صحيح مسلم (١/ ٢٠٧).
(٣) قوله: (ويحمل تعميمه) أي: قول الإمام النووي رحمه اللَّه تعالى: (لا بد مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به صلى اللَّه عليه وسلم)، وقوله: (على ما ذكرته) متعلق بـ (يحمل) والمعنى: أن قول النووي رحمه اللَّه تعالى: (بجميع ما جاء به) يخص بالمعلوم بالدين بالضرورة وإن كان شاملًا له ولغيره، فتأمل! واحذر تحريف بعض النسخ: (يحمل) بـ (يحتمل) اهـ "مدابغي"
(٤) انظر (ص ١٥٧ - ١٥٩) من شرح الحديث الثاني.

<<  <   >  >>