للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووجهه فى الاختلاف: أنه سبب تفرُّقِ القلوب، ووهن الدين، كما جرى للخوارج حين تبرأ بعضهم من بعضٍ. . وهن أمرهم، وذلك حرامٌ، فسببه المؤدي إليه حرامٌ.

وفي كثرة السؤال: أنه من غير ضرورة مشعرٌ بالتعنُّت، ومفضٍ إليه، وهو حرامٌ أيضًا، وقد نهى الشارع عن: قيل وقال، وكثرة السؤال (١)، وروى أحمد: أنه صلى اللَّه عليه وسلم (نهى عن الأغلوطات) (٢) وهي صعاب المسائل.

وورد: "سيكون أقوامٌ من أمتي يغلطون فقهاءهم بعضل المسائل، أولئك شرار أمتي" (٣).

وقال الحسن: (شرار عباد اللَّه الذين يتبعون شرار المسائل، يُعَمُّون بها عباد اللَّه) (٤).

وقال الأوزاعي: (إن اللَّه إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم. . ألقى على لسانه المغاليط؛ فلقد رأيتهم أقل الناس علمًا) (٥).

وكان أفاضل الصحابة رضي اللَّه عنهم كزيد بن ثابت وأُبيِّ بن كعب إذا سُئلوا عن شيءٍ. . قالوا: أَوَقَعَ؟ فإن قيل: نعم. . أفتوا فيها، أو ردوها إلى مَنْ يُفتي فيها، وإن قيل: لا. . قالوا: دعها حتى تقع (٦)، وكانوا يكرهون السؤال عما لم يقع، بل لعن عمر رضي اللَّه عنه سائلًا عما لم يكن، وهذا الحكم يرجع إلى قوله تعالى:


(١) أخرجه البخاري (١٤٧٧)، ومسلم (٥٩٣) في كتاب الأقضية. وقوله: (وقد نهى الشارع. . . إلخ) قال المطرزي في "شرح مقامات الحريري": قيل: القال: السؤال، والقيل: الجواب، وأخبرني مولاي الصدر رحمه اللَّه عن فخر خوارزم أنه قال في قولهم: (نهى النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن قيل وقال): هو من قولهم: قيل كذا، وقال فلانٌ كذا، وبناؤهما على كونهما فعلين محكيينِ متضمنين للضمير والإعراب على إجرائهما مجرى الأسماء خِلْوينِ عن الضمير، ومنه قولهم: إنما الدنيا قيل وقال، وإدخال حرف التعريف عليهما لذلك في قولهم: ما يعرف القال من القيل. اهـ "مدابغي"
(٢) مسند الإمام أحمد (٥/ ٤٣٥).
(٣) أخرج نحوه الطبراني في "الكبير" (٢/ ٩٨)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (٦٣٧) عن سيدنا ثوبان رضي اللَّه عنه.
(٤) أخرجه الخطيب في "الفقيه والمتفقه" (٦٣٨).
(٥) انظر "فتح الباري" (١٣/ ٢٦٣)، و"فيض القدير" (٦/ ٣٠١).
(٦) انظر "الفقيه والمتفقه" (٦٢٢ - ٦٢٤)، و"فيض القدير" (٦/ ٣٠١).

<<  <   >  >>