للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إشارة جدِّه صلى اللَّه عليه وسلم ورغب عن الخلافة لمعاوية، فسلَّمها له طوعًا وزهدًا، وصيانةً لدماء المسلمين وأموالهم (١)، فإنه بايعه على الموت أكثر من أربعين ألفًا، وشرط على معاوية رضي اللَّه تعالى عنه شروطًا وفَّى له بمعظمها (٢).

ومناقبه كثيرةٌ، وفضائله جمَّةٌ، ومحبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم له، ولأخيه الحسين، ولأبيهما وأمهما، وثناؤه عليهم، ونشره لغرر مآثرهم، وباهر مناقبهم. . من الشهرة عند مَنْ له أدنى ممارسة بالسُّنة بالمحل الأسنى، فإن أردت الوقوف على ذلك مبسوطًا مبينًا مستوعبًا. . فعليك بكتابي "الصواعق المحرقة" فإنه جمع فأوعى.

ولد الحسن رضي اللَّه تعالى عنه منتصفَ رمضان سنة ثلاثٍ من الهجرة على الأصح، ومات مسمومًا من زوجته بإرشاءٍ من يزيد بن معاوية لها على ذلك على ما قيل سنةَ أربع، أو خمس، أو تسع وأربعين، أو خمسين، أو أحد وخمسين، أو ثمان وخمسين، ودفن بالبقيع، وقبره مشهورٌ فيه.

وكان من الحكماء الكرماء الأسخياء، روى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة عشر حديثًا، روى له أصحاب "السنن" الأربعة، وروت عنه عائشة وغيرها.

(قال: حفظت من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: دع) أمر ندب؛ لما مر في (الحديث السادس) أن الأصح: ندب توقي الشبهات (٣).

(ما يريبك) بفتح أوله وضمه، والفتح أفصح وأشهر، من (راب وأراب)، بمعنى شكَّكَ، وقيل: (راب) لما يتيقن فيه الريبة، و (أراب) لما يتوهم منه.

(إلى ما لا يريبك) أي: دع ما تشك فيه من الشُّبهات إلى ما لا تشك فيه من


(١) وروي عن الشعبي: أنه قال: شهدت الحسن بن علي رضي اللَّه عنهما حين صالحه معاوية، فقال له معاوية: (قم فأخبر الناس أنك تركت لي هذا الأمر) فقام الحسن، فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه، ثم قال: (أما بعد: فإن أكيس الكيس التقى، وأحمق الحمق الفجور، وإن اللَّه هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإن هذا الأمر الذي اختلفتُ فيه أنا ومعاوية: إما أن يكون حقًا له فهو أحق به مني، وإما أن يكون حقًا هو لي فقد تركته له؛ إرادة صلاح الأمة وحقن دمائها، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين) ثم نزل، وظهرت المعجزة النبوية في قوله صلى اللَّه عليه وسلم في الحسن: "إن ابني هذا سيد" اهـ "مدابغي"
(٢) قوله: (ورغب عن الخلافة. . . إلخ) ومن هنا أخذ السراج البلقيني جواز النزول عن الوظائف ولو بمال. اهـ هامش (ج)
(٣) انظر ما تقدم (ص ٢٣٣) وما بعدها.

<<  <   >  >>