للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تغضب" (١)، وفي طريق أخرى: أن رجلًا قال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أوصني ولا تكثر عليَّ، أو قال: مُرْني بأمرٍ وأقلله عليَّ كي أعقله، قال: "لا تغضب" (٢)، وفي أخرى: علِّمْني شيئًا أعيش به في الناس ولا تكثر عليَّ، قال: "لا تغضب وفي أخرى: قلت: يا رسول اللَّه؛ أوصني، قال: "لا تغضب" ففكرتُ حين قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشرَّ كله (٣).

ومن ثَمَّ قال جعفر بن محمد رضي اللَّه تعالى عنهما: (الغضب مفتاح كل شر).

وقيل لابن المبارك: (اجمع لنا حسن الخلق في كلمة، قال: ترك الغضب) (٤).

وأخرج محمد بن نصر المروزي: أن رجلًا أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم من قِبَل وجهه، فقال: يا رسول اللَّه؛ أيُّ العمل أفضل؟ قال: "حسن الخلق" ثم أتاه عن يمينه وقال له ذلك، فقال كذلك، ثم عن شماله كذلك، ثم عن خلفه، فالتفت إليه فقال: "ما لك لا تفقه؟! حُسْنُ الخلق هو ألَّا تغضب إن استطعت" (٥) وهو مرسل.

(رواه البخاري) وهذا من بدائع جوامع كلمه التي خُصَّ بها صلى اللَّه عليه وسلم، وأما ما روي: أن رجلًا قال لسليمان صلى اللَّه على نبينا وعليه وسلم: أوصني، قال: (لا تغضب) قال: لا أقدر، قال: (فإن غضبت. . فأمسك لسانك ويدك)، وأنَّ يحيى قال لعيسى عليهما الصلاة والسلام: (أوصني، قال: لا تغضب، قال: لا أستطيع، قال: لا تقتني مالًا، قال: حسبي). . فلم يصح.

فثبت أنه لا مشارك لنبينا صلى اللَّه عليه وسلم في هذه الكلمة المتضمنة لمجامع الخير، والمانعة عن قبائح الشر؛ فإن الغضبَ -وهو غليان دم القلب طلبًا لدفع المؤذي عند خشية وقوعه، أو للانتقام ممن حصل منه الأذى بعد وقوعه- لا يحصى ما يترتب عليه من المفاسد الدنيوية والأخروية؛ لأن اللَّه تعالى خلقه من نار، وعجنه


(١) أخرجه البيهقي في "الشعب" (٧٩٢٩) عن سيدنا عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنهما.
(٢) أخرجه الإمام أحمد (٢/ ٣٦٢) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه بنحوه.
(٣) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ١٠٥)، والإمام أحمد (٥/ ٣٧٣)، ومعمر بن راشد في "الجامع" (٢٠٢٨٦) عن حميد بن عبد الرحمن رحمه اللَّه عن رجل من الصحابة رضي اللَّه عنهم.
(٤) ذكر الأثرين الحافظ ابن رجب رحمه اللَّه تعالى في "جامع العلوم والحكم" (١/ ٣٦٣).
(٥) انظر "تعظيم قدر الصلاة" (٨٧٨) عن أبي العلاء بن الشخير رحمه اللَّه تعالى.

<<  <   >  >>