{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} ولا تسأل غيره؛ فإن خزائن الجود بيده، وأزِمَّتها إليه؛ إذ لا قادر ولا معطي ولا متفضِّل غيره، فهو أحق أن يقصد، سيما وقد قسم الرزق وقدَّره لكل أحدٍ بحسب ما أراده له، لا يتقدَّم ولا يتأخَّر، ولا يزيد ولا ينقص، بحسب علمه القديم الأزلي وإن كان قد يقع في ذلك تبديل في اللوح المحفوظ بحسب تعليق على شرط، ومن ثَمَّ كان للسؤال فائدة؛ لاحتمال أن يكون إعطاءُ المسؤول معلقًا على سؤاله.
وروي: أنه لمَّا نزل قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}. . قالت الملائكة: هلكت بنو آدم، أغضبوا الرب حتى أقسم لهم على أرزاقهم.
وقال صلى اللَّه عليه وسلم:"إن الروح الأمين ألقى في رُوعي: أنه لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها، فاتقوا اللَّه، وأجملوا في الطلب"(١) أي: طلب الحلال، فمع النظر لذلك لا فائدة في سؤال الخلق مع التعويل عليهم؛ فإن قلوبهم كلها بيد اللَّه سبحانه وتعالى يصرفها على حسب إرادته، فوجب ألَّا يعتمد في أمرٍ من الأمور إلا عليه سبحانه وتعالى؛ فإنه المعطي المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، له الخلق والأمر، وبيد قدرته النفع والضر، وهو على كل شيءٍ قدير، فبقدر ما يميل القلب إلى مخلوقٍ يبعد عن مولاه؛ لضعف يقينه، ووقوعه في هُوَّة الغفلة عن حقائق الأمور التي تيقظ لها أصحاب التوكل واليقين، فأعرضوا عمَّا سواه، وأنزلوا جميع حوائجهم بباب كرمه وجوده؛ لأنه المتكفل لكل متوكلٍ بما يحبه ويتمناه؛ كما قال عز قائلًا:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} مع علمهم بما طلبه اللَّه تعالى من عباده من سؤاله، والرغبة فيما عنده، مع تبشيرهم بالإجابة في قوله تعالى:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، ومع ثنائه على مَنْ دعاه بغاية الذِّلة والخضوع والخشوع بقوله:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}.
(١) أخرجه الإمام الشافعي في "مسنده" (٨٩٥)، والبيهقي في "الشعب" (١١٤١) عن سيدنا المطلب بن حنطب رضي اللَّه عنه.