للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنه قول العرب: نصف السَّنة حضرٌ، ونصفها سفرٌ؛ أي: تنقسم لزمانين وإن تفاوتت مدتهما.

وقول شريح وقد قيل له: (كيف أصبحت؟ قال: أصبحت ونصف الناس عليَّ غضبان) يريد أنه بين محكومٍ له راضٍ، ومحكومٍ عليه غضبان، فهما جزآن مختلفان (١).

وقول الشاعر:

إذا مت كان الناسُ نصفين شامتٌ ... وآخر مُثْنٍ بالذي كنت أفعلُ

أي: ينقسمون قسمين. وخبر: "إنها -أي: الفرائض، وهي قسمة المواريث- نصف العلم" (٢) أي: أن أحكام المكلفين نوعان: نوعٌ يتعلق بالحياة، ونوعٌ يتعلق بالموت.

وقول مجاهد: (المضمضة والاستنشاق نصف الوضوء) (٣) أي: أنه نوعان: نوعٌ يطهر بعض الباطن، ونوعٌ يطهر بعض الظاهر، وهو ما عداهما.

فإن قلت: هل يصح أن يراد بالشطر هنا الخمس؛ فإنه صح استعماله له صلى اللَّه عليه وسلم فيه في حديث الإسراء في مراجعته لربه حين فرض الصلاة خمسين (٤) وراجعه مرارًا متعددةً بقوله: "فوضع شطرها" ثلاثًا (٥)؛ إذ لو كان المراد بالشطر فيه النصف. . لفرغت الخمسون في المرة الثانية، فتعيَّن أن المراد به: الخُمُس، ومن ثَمَّ جاء في رواياتٍ أخر: "فوضع عنِّي عشرًا" (٦)؟

قلت: لا مانع من ذلك وإن كان مستغربًا، وعليه فيحتمل أن معناه أنه يثاب عليه كثواب خُمس الإيمان.


(١) ذكر الخبر الحافظ ابن رجب رحمه اللَّه تعالى في "جامع العلوم والحكم" (٢/ ٩).
(٢) أخرجه الحاكم (٤/ ٣٣٢)، وابن ماجه (٢٧١٩)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٢٠٦) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٣) أخرج نحوه ابن أبي شيبة (٢٨٣).
(٤) في (غ): (حين فرضت الصلوات الخمس خمسين).
(٥) أخرجه البخاري (٣٤٩)، ومسلم (١٦٣) عن سيدنا أبي ذر رضي اللَّه عنه.
(٦) عند البخاري (٣٨٨٧) عن سيدنا مالك بن صعصعة رضي اللَّه عنه.

<<  <   >  >>