فرق؟ قلت: الفرق: ما قيل: إن الضياء أعظم وأبلغ من النور؛ بدليل:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} وهي أعم وأعظم نورًا منه، ولذلك قال اللَّه تعالى:{ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} ولم يقل: بضيائهم؛ لأن نفي الأعم أبلغ، وأورد عليه:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ولم يقل: ضوؤها ولا ضياؤها، {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} ولم يقل: بضيائه.
وأجيب عن الأول بأن المعنى: اللَّه منوِّر السماوات والأرض، ولم يقل: مضيء؛ لأن النور أعم؛ لأنه ليلًا ونهارًا، والضوء ليس إلا نهارًا بالشمس، وأيضًا: المراد بنورهما: هداية أهلهما، والعادة لغةً وعرفًا أن يقال: نور الهداية لا ضوؤها، ومنه:{وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، {ومَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}.
وعن الثاني بأن الضوء كالوصف الزائد على النور، والمحتاج إليه هو النور الناقص المخلوق، وأما نور اللَّه سبحانه وتعالى. . فهو قديمٌ كاملٌ لذاته، منزَّهٌ عن الجسمية والعَرَضية، لا يحتاج إلى معنًى زائدٍ يضيء به.
ويحتمل أن المعنى: وأشرقت بنور ملائكته، أو عَدْلِ ربها؛ إذ لو أشرق عليها ما أشرق على جبل الطور لمَّا تجلى له. . لتصدَّعت وتشقَّقت واندكَّت كما اندكَّ الجبل، ولا يلزم من نور الملائكة والعَدْل الضوءُ.
وإنما جعل الصبر ضياءً، وهي نورًا؛ لأنه أخص منها لاشتماله عليها وعلى غيرها من الطاعات، أو تعلقه بذلك؛ إذ هو حبس النفس على الطاعة وعن المعصية، فكان الضياء الأخص من النور أَولى به؛ ولأنه تعالى قال:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} والتقديم للأهم فالأهم، وقال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} ولم يقل: لما صلوا، وقال صلى اللَّه عليه وسلم:"ما أُعطي أحدٌ خيرًا من الصبر، وأوسع عطاء من الصبر"(١)، وقال تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ولم يرد ذلك لغيره) اهـ
(١) أخرجه البخاري (١٤٦٩)، ومسلم (١٠٥٣) عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه.